- كان أهل مدين قوما عربا يسكنون مدينتهم مدين التي هي قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط ، وكانوا بعدهم بمدة قريبة ، ومدين قبيلة عرفت بهم المدينة ، وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، وشعيب نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن إسحاق قال : ويقال له بالسريانية : بثرون .
- وكان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل ، ويخيفون المارة ، ويعبدون الأيكة ، وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها ، وكانوا من أسوء الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ، ويطففون فيهما يأخذون بالزائد ، ويدفعون بالناقص فبعث الله فيهم رجلا منهم ، وهو رسول الله شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم ، وإخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم ، فآمن به بعضهم ، وكفر أكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد ، وهو الولي الحميد كما قال تعالى : "وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم "
* فما كان موقف أهل مدين
زادوا في كفرهم وعنادهم بل قالوا لنبي الله شعيب " قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" , " وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون " .
* فما كان عقابهم ..؟
- قال الله تعالى : " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " . ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم [ ص: 437 ] رجفة أي رجفت بهم أرضهم ، وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها ، وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها ، وأصبحت جثتهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها ، وقد جمع الله عليهم أنواعا من العقوبات وصنوفا من المثلات ، وأشكالا من البليات ، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات
- وقوله : " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " . فيقال أنهم أصابهم حر شديد ، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب ، فهربوا من محلتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها ، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله عليهم ترميهم بشرر وشهب من نار ، ورجفت بهم الأرض ، وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح وخربت الأشباح وماتوا من الفزع والحرق وهو جلوس علي ركبهم. فأصبحوا في دارهم جاثمين " الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين" . ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين ، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين "ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود . وقال تعالى : وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ." .
- فهولاء الظالمين ..أين هم الآن .. اماكنهم خاوية ..كان لم يكونوا يوماً على هذه اللأرض.. " كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " ..فقد مضوا مشيعين بلعنتهم , وطويت صفحتهم السوداء من الوجود.
يمكنك الإطلاع على المزيد من الأمم البائدة من هنا
سلسلة نهاية الظالمين والأمم البائدة
يمكنك الإطلاع على المزيد من الأمم البائدة من هنا
سلسلة نهاية الظالمين والأمم البائدة
المصدر
- كتاب البداية والنهاية - إبن كثير
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات