- بذل العديد من المفكرين المسلمين الكثير من الجهود خلال 1000 عام لتنوير ضمير وروح الإنسانية , وكانت بغداد والأندلس في العصور الوسطى تُعتبران " عواصم العلم في العالم " , وقد برع المسلمون الأندلسيون في الأدب العربي , والنحو , والفقه الإسلامي , والرياضيات , والهندسة المعمارية , والفن , والفلسفة , وعلم النفس , وعلم الأحياء , وعلم النبات , وعلم الحيوان , والطب , والملاحة , وعلم الفلك , وأنتجت الأندلس الكثير من النجوم الذين تألقوا في تاريخ العلم , وأحدى هذه النجوم الساطعة كان الرجل الملقب بـ " رائد علم الفلك التطبيقي " - وهو ( أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي النقّاش الزرقالي ) .
من هو هذا الرجل العظيم ؟
- ولد الزرقالي والمعروف باسمه اللاتيني " أرزاكل أو الزركالي Arzachel" في القرن الحادي عشر , في قرطبة بالأندلس , وكان يعمل حرفياً وصانع أدوات معدنية , وكان يُلقّب أيضاً بالنقّاش , وانتقل من قرطبة إلى طُليطلة , وكانت حينها أهم المراكز الثقافية والعلمية في الأندلس ,وقد ألهمه جمال طليطلة لدرجة أنه قرر أن يبدأ حياة جديدة هناك , وفي طُليطلة إخترع الكثير من الأدوات الفلكية والتي ما زلنا نستخدمها حتى اليوم , وهناك أيضاً إكتشف الكثير من الإكتشافات العلمية , حيث برع في الجغرافيا الفلكية , وعلم الفلك , والرياضيات
في عام 1060 , عمل الزرقالي تحت خدمة قاضي طُليطلة وعالم الرياضيات ( سعيد الأندلسي ) , وكان يعمل الزرقالي كصانع للأدوات المختلفة للعلماء الآخرين , وقد أعُجب القاضي سعيد الأندلسي وفريقه من العلماء المسلمين واليهود بقدرات الزرقالي الفكرية وعمله المثالي , فأصبح موضع إهتمام من قِبل هؤلاء العلماء .
ولكن الزرقالي كان رجلاً غير متعلماً , ولم يدرس أي شكل من أشكال العلم , لذا حرص القاضي سعيد الأندلسي وفريقه على تزويده بالمواد الدراسية التي يحتاجها لتثقيف نفسه , وبعد عامين فقط , أي في عام 1062 , أصبح الزرقالي عضواً في المجموعة , وبعد فترة وجيزة أصبح قائداً للمجموعة بعد أن كان تلميذاً يدرس على أيدي أعضاءها من العلماء
اعمال الزرقالي في علم الفلك
قام الزرقالي ومجموعة العلماء بتصنيف جداول طُليطلة Toledan Tables - وهي جداول فلكية أُستخدمت للتنبؤ بحركات الشمس والكواكب والقمر بالنسبة إلى النجوم الثابتة - ووضع ملاحظاته الفلكية على تلك الجداول , وإنتهى منها في عام 1080 .
وبعد ترجمة جداول طليطلة إلى اللاتنينية في عصر إلفونسو العاشر , أصبح لها نتائج مثيرة للإعجاب في تطبيقها على الظواهر الفلكية للكسوف وحركة الأجرام السماوية , فكانت جميع الجداول الفلكية لمختلف المواقع في أوروبا تستند إلى قياسات الزرقالي الفلكية .
- قام الزرقالي بإصدار تقويمه الفلكي الذي عُرف باسم " الرزنامة " في عام 1088 , وهي عبارة عن جداول يومية للشمس والقمر والكواكب على مدار أربع سنوات من عام 1088 إلى عام 1092 , وقد أجرى ذلك التقويم في طُليطلة , والهدف منها هو حساب خطوط الطول والعرض الأرضية .
- يبقى أهم إكتشاف للزرقالي هو قياس الطول الحقيقي للبحر الأبيض المتوسط بدقة قريبة جداً من القياسات الحديثة , حيث لاحظ أن طول البحر الأبيض المتوسط كان 42 درجة وليس 62 درجة كما إدعى بطليموس .
- الرزرقالي أيضاً كان أول من أدخل نظرية الشكل البيضاوي للمدارات , وإكتشف أن الكواكب تتحرك في مدار إهليلجي أو بيضاوي وليس دائري كما كان يُعتقد قديماً .
- الزرقالي هو أول من حسب مسار أوج الشمس بالنسبة للنجوم , وقال أنها بلغت حوالي 12,04 سنوياً , وهو أول من كتب مقالة حول نظرية التذبذب .
الأسطرلاب astrolabe |
- أحد أكثر إختراعات الزرقالي شعبية هو نوع جديد من الأسطرلاب astrolabe الأكثر تطوراً ودقة على الإطلاق والمعروف باسم " الصفيحة الزرقالية " وبالاتينية " Saphaea , وهو عبارة عن آلة فلكية قديمة تعمل كنموذج للقبة السماوية ثنائية البعد , وكان يُستخدم لحل جميع مشاكل علم الفلك ورصد حركة الشمس والكواكب وقياس حركة الأجرام السماوية , وتحديد أوقات الصلاة وإتجاه القبلة , وقد أثر ذلك الإختراع على الأجيال التالية من العلماء الغربيين .
- إبتكر الزرقالي ايضاً أداه فلكية مهمة أخرى وهي الـ الاكواتوريوم equatorium , وهي أده حسابية فلكية , تساعد على العثور على مواقع الشمس والقمر والكواكب دون حساب.
- صمم الزرقالي الساعات الشهيرة لمدينة طُليطلة , وكانت تحتوي على تقويم قمري , وكانت دقيقة إلى حد يشبه الساعات الحديثة التي نعرفها اليوم , كما كانت الساعات المائية المصممة لتحديد ساعات الليل والنهار وبيان الأشهر القمرية , واحدة من إختراعاته أيضاً .
بفضل إكتشافات الزرقالي وإختراعاته العلمية , أصبحت طليطلة محطة علمية تتطلع إليها عيون بقية الدول الأوروبية .
فقد كتبت الكاتبة الأسبانية Mariano Calvo ذات مرة عن الزرقالي " أنه حوّل طليطلة إلى غرينتش القرون الوسطى " .
كان لأعمال " الزرقالي " تأثيراً كبيراً على الجيل التالي من علماء المسلمين وغير المسلمي , مثل ابن رشد , وابن طفيل , وابن باجاج , والبيتوجي , وكوبرنيكوس, ويعقوب زيجلر , وأبراهام زاكوتو .
وتكريماً لاسمه ولمساهماته الهامة للبشرية , أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا " إسم الزرقالي "Arzachel". على واحدة من فوهات القمر .
skyandtelescope.com |
وقد توفى الزرقالي في إشبيلية في العام 480 هـ
المصدر / mvslim.com
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات