image source -bystricoviny |
- في هذا العالم الحديث , قدّم العلم الكثير من التكنولوجيا المتطورة , التي تهدف لتوفير حياة سهلة للبشر , وجعله عالماً صحياً وخالياً من الأمراض , وعلى الرغم من فوائد تلك التكنولوجيا الحديثة إلا أن بعضها يصعب تصديقه , بل يمكنه أن يكون مرعباً للبشر ... مثل الإستنساخ البشري مثلاً !
كيف يحدث الإستنساخ
الإستنساخ ليس بسيطاً كمفوهمه النظري , بل الأمر معقداً كثيراً .
كي يتم الإستنساخ , نحتاج إلى خليتين جسديتين من نفس الحيوان , واحدة منها تكون خلية البيضة التي قمنا بإزالة الحمض النووري منها , ثم نأخذ الحمض النووي للخلية الجسدية الأخرى , ونضعه بداخل خلية البيضة الفارغة من الحمض النووي .
ثم يُسمح لهذه الخلية البيضية المستنسخة بالنضج حتى تصل إلى مرحلة جنينية مبكرة , قبل أن يتم حقنها مرة أخرة في رحم أنثى بالغة للحمل , وينتج الحيوان المُستنسخ , والذي يكون صورة طبق الأصل وراثياً للخلية الأم الأولى .
مصدر الصورة الاصلية - howstuffworks |
- الحقيقة أن تقنية النسخ النووي هذه تحدث بشكل متماثل في الطبيعة في البكتيريا , حيث تنتج بكتيريا متطايقة وراثياً لسابقتها , بإستثناء بعض الطفرات التي يمكن أن تحدث في هذه العملية , ومثل هذه الطفرات يمكنها ن تسمح للبكتيريا بإن تكون مقاومة للمضادات الحيوية مثلاً , ولكن بعض الطفرات قد تكون قاتلة .
- لذا فالإستنساخ ليس عشوائياً مثل التكاثر الجنسي , حيث تنتج معظم الكائنات الحية من إندماج نصف الحمض النووي من الأم والنصف الآخر من الأب , مما يعطيهم عدداً لا حصر له من الإحتمالات الوراثية لخلق DNA فريد من نوعه , أما في الإستنساخ , فإن الحمض النووي يأتي فقط من كائن واحد والذي يعطي ذرية نسخ طبق الأصل من الحمض النووي الأصلي .
لماذا لم نستنسخ البشر حتى الآن - وما رأي الخبراء ؟
- على الرغم من أن العلم قد قطع شوطاً طويلاً في القرن الماضي فيما يتعلق بإستنساخ الحيوان , إلا أن إستنتساخ البشر والرئيسيات الأخرى لهو أمر بالغ الصعوبة بالنسبة للعلماء , فالعلم ليس قادراً على إستنساخ إنساناً كاملاً حالياً , ولكنه قد يكون قادراً بالفعل على إستنساخ الخلايا البشرية .
- عندما إشتعلت وسائل الإعلام في العالم في 5 يوليو 1996 بخبر إستنساخ أول حيوان ثديي بنجاح وهو " النعجة دوللي " في معهد روزلين في أسكتلندا , أثار الأمر العلماء والباحثين وجماهير الناس المهتمين بالإستنساخ , بل حتى الأشخاص العاديين حول العالم كانوا مهتمين بمعرفة أخبار النعجة دوللي , وكيف تم الإستنساخ , وما هي إيجابياته وسلبياته , وما أهميته بالنسبة للبشر ؟ !
ولكن لم تكن النعجة دوللي هي الوحيدة المستنسخة بأي حال من الأحوال , في عام 1950 , بل قبلها بدأ العلماء بالفعل في إستنساخ الضفادع كما إستنتسخ العلماء الفئران والقطط , وعدة أنواع من الماشية , بالإضافة إلى الأغنام , كما وفر إستنساخ الأبقار في السنوات الأخيرة قدراً كبيراً من المعرفة بنتائج عمليات الإستنساخ , حيث أظهرت فشل النتائج , سواء بسبب فشل عمليات الزرع , أو ظهور طفرات .
وجدير بالذكر : أن النعجة دولي ماتت بالقتل الرحيم في 14 فبراير عام 2003 بعد ما عانت من مرضاً في الرئة يُسمى jaagsiekte , وتم عرضها محنطة في متحف أسكتلندا في أدنبره .
فعلى الرغم من أن العلماء قادرين على إستنساخ البشر , إلا أنه لا يزال من المستبعد حدوث ذلك , بسبب وجود الأسباب الأخلاقية , وكذلك العلمية , إذ أن الإستنساخ لديه نسبة فشل عالية للغاية , فحوالي واحداً من أصل 100 محاولة قد تكون ناجحة .
فوفقاً لمقالة في Live Science , فإن الحيوانات المستنسخة تعاني من سوء الصحة , والعديد منهم يولد بأعضاء كبيرة بشكل غير طبيعي , ونتيجة لذلك فإنهم يموتون في وقت مبكر , أو يخضعون إلى الموت الرحيم , ولهذه الأسباب يعارض العديد من العلماء إجراء حتى بحوث في ذلك الموضوع المثير للجدل .
- هاريس ليوين - أستاذ في جامعة كاليفورنيا قسم التطوير والبيئة , وفريقه , قاموا بنشر النتائج التي توصلوا إليها بشأن تأثير الإستنساخ على عمل الجينات , في مجلة " وقائع الأكاديمية الوطني للعلوم " في عام 2016 , وأشار البيان الصحفي للدراسة أن النتائج الفاشلة والمتكررة لتقنيات الإستنساخ , تعزز من الحاجه إلى فرض حظر صارم على إستنساخ البشر لأي غرض من الأغراض .
ويقول هانك غريلي - الباحث القانوني في علم الأحياء في جامعة ستانفورد - " أعتقد أن لا أحد يدرك مدى صعوبة الإستنساخ في بعض الأنواع , وإن كان سهلاً نسبياً في بعض الأنواع الأخرى مثل القطط: سهل ,الكلاب : صعب : الفئران : سهل , الجرذان : صعب , أما البشر والرئيسيات الأخرى : صعب جداً " .
لذا فإنه يمكن إعتبار أنه من الممكن نظرياً إستنساخ البشر , ولكن حتى الآن لا توجد أية سجلات لعملية إستنساخ الإنسان , حيث ذكر موقع Live Science , أن أقرب ما وصلنا إليه في الإستنساخ هو ما حدث في عام 1997 , من إستنساخ أقرب الرئيسيات إلينا وهو القرد !
وقد نجح العلماء أيضاً في إستنساخ أجنة الإنسان من خلايا الجلد من كل من الرضّع والكبار البالغين , ومع ذلك , فقد جاءت النتائج فاشلة , إذ أن كل تلك الأجنة لم تنضج حتى .
بماذا قد يفيد الإستنساخ البشر ؟
- يستخدم الإستنساخ في العلاج حيث يُطلق على تقنية إستنساخ الخلايا البشرية إسم الإستنساخ العلاجي , فا في عام 2014 , أنتج الباحثون الخلايا الجذعية البشرية من تقنية الإستنساخ نفسها التي وُلّدت النعجة دوللي , غير أن الخلية لا يتم وضعها في رحم أنثى , ولكن تأخذ خلية من مريض , ويوضع الحمض النووي الخاص بها في خلية بيضة تم إزالة الحمض النووي الخاص بها , وتبدأ تلك البيضة في الإنقسام في طبق المختبر , وفي نهاية المطاف تنتج خلايا متخصصة مثل الخلايا العصبية وخلايا بيتا البنكرياس , وتم إستخدام الخلايا الجذعية لإنها خلايا يمكنها أن تتحول إلى أي نوع من الخلايا في الجسم , ولذا فيمكنها أن تستخدم في مجموعة واسعة من الأغراض عندما يتعلق الأمر بعلاج الأمراض , ولا سيما الأمراض الوراثية , أو الأمراض التي يحتاج المريض فيها لزرع نسيج أو عضو , وهذا التطبيق للإستنساخ هو قيد التنفيذ بالفعل
- يمكن إستنساخ الأعضاء الحيوية للجسم البشري , وحفظها , لتكون بمثابة النسخ الإحتياطية , فهي قد تكون بمثابة المنقذ للمريض , عندما تفشل أجهزة الجسم في العمل مثل الكلى أو القلب , وغيرها
- يمكن أن يكون الإستنساخ البشري حلاً للعقم , حيث يتيح خيار إنتاج الأطفال بإستنساخ خلية بشرية للآباء ,ومن الممكن خلال تلك التقنية , إنتاج بعض الصفات المطلوبة في البشر , ولكنها قد تكون مرفوضة من الناحية الدينية والأخلاقي لكثير من الإعتبارات .
- تقنيات الإستنساخ يمكن أن تكون مفيدة للباحثين في علم الوراثة , فهي قد تساعد في فهم تكوين الجينات , وآثار المكونات الوراثية على الصفات البشرية , وقد يساعد على مكافحة مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية.
- الإستنساخ قد يساعدنا على الحصول على كائنات حية متخصصة وتسخيرها لصالح المجتمع , كأن يمكن إستنساخ بعض الحيوانات المستخدمة في الأبحاث العلمية , كما يمكن تغيير التركيب الجيني لبعض النباتات والحيوانات , إذا يمكن أن يحُدث تغييرات إيجابية في تلك الكائنات الحية , كأن تكون مقاومة لبعض الأمراض مثلاً
الجوانب المظلمة والسلبية للإستنساخ
- على الرغم من أن القضاء على الأمراض الوراثية , وعلاج مشكلة العقم عند البشر هي بعض الأسباب الأكثر شيوعاً لإجراء عمليات الإستنساخ , إلا أن هناك أسباب أكثر غرابة , بما في ذلك إستنساخ الموتى , والسعي للحياة الأبدية كأن يستنسخ الإنسان نفسه قبل أن يصل لسن الشيخوخة مثلاً , ناهيك عن إستغلال الأمر من قِبل الأثرياء لصنع بدائل لأنفسهم في حالة تلف بعض أعضاءهم على سبيل لمثال , فيكون من السهل إستبدالها من ذلك المٌستنسخ البديل كما رأينا في بعض أفلام الخيال العلمي , كما يمكن أن يستغل قادة الحروب تلك التقنية في إستنساخ أعداد هائلة من الجيوش بصفات جينية معينة مناسبة للمعارك .
بالإضافة إلى أن الإستنساخ يسمح للإنسان بالعبث في الجينات البشرية , وقد يستخدمه البعض في إنتاج صفات غير مرغوبة ..وهكذا
ومن ناحية سلبيات الإستنساخ العلمية ..
- نجد أن الإستنساخ يضر بالتنوع الوراثي , حيث يخلق جينات متطابقة , بل هو عملية تكرار نفس الشكل الجيني لأجيال , مما يعيق تنوع الجينات , وهذا سُيضعف قدرتنا على التكيف كبشر , كما أن الإستنساخ يضر بالجمال الذي يكمن في التنوع
- من الناحية الإجتماعية , سنجد ان تقنية الإستنساخ ستكون متاحة للأغنياء فقط نظراً لصعوبة العملية وحاجتها إلى أجهزة ومعدت باهظة الثمن لذا فلن يكون بمقدور الشخص العادي أن يستخدم تلك التقنية في العلاج مثلا كما الأغنياء .
- من الناحية الأخلاقية , سنجد أن الإستنساخ لن يتماشى مع المباديء الأخلاقية أو الدينية , فكأن العلماء بذلك الأمر يحاولون أن يضعوا أنفسهم في موضع الخالق , على الرغم من أنهم لا يستطيعون بالطبع أن يخلقوا خلية من لاشيء , فالله خالق كل شيء , وحتى عندما إستنسخوا تلك الخلايا لإنتاج مخلوقات مماثلة لم تبقى تلك على قيد الحياة , وعانت الكثير من الأمراض , قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾. [سورة الحج الآية:73
ما هو مستقبل الإستنساخ ؟
- إن القوانين المتعلقة بإستنساخ البشر تختلف في جميع أنحاء العالم , وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال , ممنوعة فقط بشكل صريح في ثماني ولايات .
ووفقاً لصندوق الدفاع عن أخلاقيات البيولوجيا , فإن أربع ولايات أخرى تحظر التمويل لعمل تجارب الإستنساخ , بينما تسمح 10 ولايات بإستنساخ الأجنة البشرية , ولكنها تحظر السماح بالاستحقاق الكامل للجنين ( اي تحريم إستنساخه بغرض التكاثر , بل يسمح بالإستنساخ العلاجي فقط ) .
أما الموقف الدولي بشأن الإستنساخ فهو أكثر وضوحاً مع قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بحظر جميع أشكال الإستنساخ البشري في عام 2005 بما في ذلك الإستنساخ العلاجي .
ولهذه الأسباب القانونية فضلاً عن الأسباب الأخلاقية والعلمية , فأن مستقبل الأستنساخ ربما يكون أكثر إحتمالاً بالنسبة لأبحاث الإستنساخ العلاجي , أكثر من إحتمالية الإستنساخ بغرض التكاثر .
والفرق الوحيد بين الإستنساخ العلاجي والإستنساخ التناسلي , هو أن في الإستنساخ العلاجي لا يتم نقل الجنين أبداً إلى رحم أنثى , ولكن في الإستنساخ العلاجي , تُستخدم خلايا المريض الخاصة لإستبدال أنسجة بأخرى .
المصادر :
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات