- أنتاركتيكا - قارة جليدية , فارغة , قاحلة , باردة - هذه كلمات قد تستخدمها لوصف تلك القارة البعيدة , ولكنها لم تكن دائماً هكذاً منذ ملايين السنين , ففي فترة ما من الماضي البعيد كانت الديناصورات تجوب حرة في غابات القارة القطبية الجنوبية الكبيرة , فقد لا يبدو مألوفاً بالنسبة لك أن تجتمع كلمتي ( الديناصورات والثلج ) معاً , ولكن الحقيقة ان الديناصورات التي عاشت في أنتاركتيكا تمتعت بمناخ دافيء , ومياة معتدلة , ونباتات وفيرة , بينما اليوم يبحث العلماء عن أحافير تلك الكائنات في نفس تلك القارة ولكن بمناخ مختلف تماماً , فيغطي الجليد نحو 99% من القارة القطبية الجنوبية حالياً , حيث يمكن للعواصف الثلجية المفاجئة أن تدفن مواقع الحفر , والرياح العاتية يمكنها أن تنظف الأرض من أي أثر لوجود حفريات , تلك الظروف القاسية في أنتاركتيكا , هي أحد أسباب بقاء هذا الجزء من سجل الحفريات غير مكتمل منذ فترة طويلة من الزمن .
ولكن اكتشاف حفريات الديناصورات في القارة القطبية الجنوبية قد يجبرنا على التساؤل عما يمكن أن تسببه التغيرات المتطرفة للمناخ في حدوث تغيير جذري في حياة الكائنات .وكيف يمكن لمثل هذه الحياة البرية الجليدية أن تكون دافئة بما يكفي لإحتضان أكبر المخلوقات التي عاشت على الأرض يوماً ما .
ولفهم هذا علينا العودة إلى الماضي البعيد عبر الزمن الجيولوجي عندما كانت القارة القطبية الجنوبية خالية من الجليد , وذلك خلال فترة العصر الطباشيري منذ 145 إلى 66 مليون سنة مضت , قد يبدو ذلك العصر بعيداً جداً , ولكننا نعرفه كأخر عصر عاشت فيه الديناصورات قبل ان يضرب كويكباً ما الأرض , ويتسبب في إنقراضها للأبد .
كيف كانت أنتاركتيكا منذ ملايين السنين
يتفق معظم الجيولوجين في مجال دراسة طبيعة القارة القطبية الجنوبية أن تلك القارة لم تكن موجودة على الدوام في مكانها الحالي بل كانت أقرب إلى خط الإستواء , ثم انفصلت عن قارة عملاقة وانتقلت مثل الشظايا القارية الأخرى إلى موقعها الحالي .
وهناك أدلة جيدة أيضاً على أن القارة القطبية الجنوبية كانت مرتبطة بقارة أستراليا , فعلى سبيل المثال , تتشابه العديد من التفاصيل الجيولوجية للقارتين عند المقارنة , ومع ذلك لا تتشابه الخواص الجيولوجية للمحيط لدى القارتين , مما يُشير إلى أن اليابسة قد انفصلت فقط عند انفصال القارات .
وإذا ما اتصلت القارة القطبية الجنوبية بقارة أستراليا مرة أخرة فوقتها ستكون أنتاركتيكا أقرب إلى خط الأستواء مما يجعلها دافئة كما كانت من قبل .
وكانت تلك الظروف مناسبة لحياة الديناصورات خلال العصر الطباشيري , فالزواحف من ذوات الدم البارد تحتاج لدفء الشمس من أجل البقاء , فنرى الزواحف اليوم دائماً ما تبقى تحت أشعة الشمس في النهار للحفاظ على درجة حرارة جسمها , بينما في القطبين حيث تختفي الشمس خلال أشهر الشتاء , يجب أن تكون تلك الكائنات دافئة بما فيه الكفاية حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة خلال فترات الظلام .
كيف يبحث العلماء عن الحفريات في أنتاركتيكا ؟
يتم البحث عادة عن الأحافير في انتاركتيكا في شهور الصيف , وتتمركز أماكن البحث في الجزر الساحلية والجبال المكشوفة .
فعمليات الحفر على الجبال التي تجتاحها الرياح تكون صعبة بشكل خاص , فمن الصعب التسلق هناك , ناهيك عن انتشال الصخور الثقيلة وحملها , وإزالة العينات من الجليد والصخور , التي تتطلب الأزاميل والمراجل والمناشير الصخرية .
كما يستخدم العلماء أيضاً قشور بعض الكائنات الأحفورية التي عاشت في المحيطات في الماضي السحيق , والتي تًسمى " المنخريات foraminifera " وذلك لفهم المناخ في العصور القديمة , من خلال تحليل كيمياء اصدافها , لتقدير درجة حرارة مياه المحيط خلال ذلك الوقت , والعثور على كائنات عاشت في نفس الفترة.
اول حفريات الديناصورات التي تم العثور عليها قي انتاركتيكا كان ديناصور Antarctopelta ، بمعنى "درع القطب الجنوبي". تم اكتشافه في عام 1986 بين الصخور التي تعود لأواخر العصر الطباشيري , وهذا البحث استغرق من العلماء عدة مواسم ميدانية لجمع العينات بسبب الطقس الصعب.
Antarctopelta |
كان Antarctopelta ديناصور متوسط الحجم , يبلغ طوله حوالي 13 قدماً ( 4 أمتار ) , وعلى الرغم من أن الهيكل العظمي الذي تم العثور عليه كان في حالة يُرثى لها بسبب تعرضه للعوامل الطبيعية , إلا أنه أتاح للعلماء تخّيل الصورة التي كان عليها ديناصور Antarctopelta , وكان هذا النوع من الديناصورات يتغذى على النباتات , كما تميز جسمه بوجود صفائح مدرعة .
في عام 1991 , وجد فريق بحث ديناصوراً آخر في طبقة صخرية جوارسية , حيث تم العثور على معظم عظام تلك العينة معاً كما كانت أثناء حياتها , وبلغ طول العينة حوالي 7 أقدام ( 2 متراً ) , وأطلق العلماء على ذلك الديناصور اسم Cryolophosaurus ، أي " السحلية الباردة ", وبلغ طولها ما يقرب من 20 إلى 26 قدم ( من 6 إلى 8 أمتار ) , وعلى ما يبدو فإن هذا المخلوق العملاق كان يتبع نظاماً غذائياً ضخماً .
Glacialisaurus |
كما قام أعضاء نفس البعثة في الفترة من 1990 - إلى 1999 , بجمع بقايا جزءية لمخلوق جوارسي آخر يُدعى Glacialisaurus ويعني " السحلية المجمدة " , وبلغ طول الديناصور بأكمله من 20 إلى 25 قدماً ( 6 - 8 أمتار ) , وبلغ وزنه من 4 إلى 6 طن , وقد تحديده بشكل مبدأي على أنه ديناصور من الأنواع طويلة العنق , آكلة النباتات .
ومنذ اكتشاف تلك العينات , تم العثور على حفريات أخرى لديناصورات بما في ذلك سن الهيدروصور ( ديناصور منقار البط ) , الذي تم اكتشافه في جزيرة فيغا قبالة شبه الجزيرة القطبية الجنوبية , كما تم العثور على عدد من حفريات الزواحف البحرية الضخمة في تلك البقعة مثل بالبيسووروس والموساسور التي وجدت هناك بكثرة .
إقرأ أيضا : أهم 10 إكتشافات علمية في القارة القطبية الجنوبية
ماذا كانت تأكل ديناصورات أنتاركتيكا ؟
- في أنتاركتيا الحالية , لا تنتشر الأشجار والشجيرات , ولكن في طبقات الصخور التي تعود إلى العصور القديمة حيث عاشت الديناصورات , عثر العلماء على الكثير من الأبواغ المتحجرة والسراخس والصنوبر والحزازيات والجيكادو والسيكاسيات , ومن الواضح ان تلك النباتات كانت تحتاج إلى درجات حرارة تختلف كثيراً عن درجات الحرارة اليوم في أنتاركتيكا .
كما أن تحليل حلقات الأشجار المتحجرة التي تم العثور عليها يُشير إلى أنها كانت تتمتع بمناخ أكثر اعتدالاً , على سبيل المثال , فإن حلقات الأشجار كانت أكبر بعشر مرات من تلك الموجودة في أشجار المناطق القطبية الحديثة , ولم يكن لدي الأشجار المتحجرة أي حلقات صقيع .
أنتاركتيكا - قارة غامضة متطرفة , تحمل الكثير من الأسرار والمفاجآت , تلك القارة بحد ذاتها لم تكن سوى خرافة في وقت ما حتى تم اكتشافها عام 1820 بالمصادفة !
اعتقد أن العلماء بحاجه إلى مزيد من البحث في اغوار تلك القارة , فمن كان يظن انها تخبيء بين صخورها المتجمدة بقايا مخلوقات عملاقة عاشت في اكثر الأماكن دفئاً !
ومن كان يظن ان تلك المملكة الجليدية الشاسعة كانت يوماً ما خضراء تكسو ارضها الغابات , وتتخللها الأنهار الدافئة !
فعلى الرغم من صعوبة اكتشاف شيء بشأنها بسبب ظروفها القاسية , ولكن الأمر حقاً يستحق العناء من محبي البحث والإكتشاف .
مصادر / answersingenesis - bbcearth
حقوق الترجمة محفوظة لمدونة / عالم المعرفة
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات