- على مر العصور , وعلى مستوى قارات العالم ,امتدت عمليات البحث عن " إكسير الحياة " خلال تاريخنا الطويل , ولكن في الآونة الأخيرة اتجهت الأنظار إلى " جزر أوكيناوا - Okinawa Islands " باليابان - وهي جزر تمتد عبر بحر الصين الشرقي , ويتمتع سكانها ليس فقط بأطول أعمار متوقعة لأي شخص على الأرض , ولكنهم أيضاً يتمتعون بصحة جيدة للغاية في أغلب سنوات عمرهم , ووفقاً لمعاييير اليابان , فإن جزر أوكيناوا رائعة كمكاناً لقضاء العمر , مع فرصة للعيش حتى 100 عاماً بنسبة 40% .
لا عجب في أن العلماء أمضوا عقوداً طويلة في محاولة لكشف أسرار طول عمر سكان أوكيناوا - وذلك بدراسة كل من جيناتهم وأسلوب حياتهم - ومن بين أكثر العوامل التي لفتت انتباه العلماء مؤخراً هو النسبة العالية من الكربوهيدرات إلى البروتين في نظام أوكيناوان الغذائي - مع وفرة من البطاطا الحلوة كمصدر لمعظم السعرات الحرارية الخاصة بهم.
تقول سامانثا سولون بيت - الباحث في مجال التغذية والشيخوخة في جامعة سيدني " أن النظام الغذائي المتبع في أوكيناوا هو عكس النظم الغذائية الحالية السائدة التي تدعو إلى اتباع نظام غذائي غني بالبروتين ومنخفض الكربوهيدرات , إلا أن هناك القليل من الأدلة على أن الأنظمة الغذائية الغنية بالبروتينات تحقق بالفعل فوائد طويلة الأجل " .
النظام الغذائي في أوكيناوا يعتمد على نسبة 1:10 من الكربوهيدرات إلى البروتين ( نسبة اعلى من الكربوهيدرات بالنسبة إلى البروتين ) , وهو ما اعتبره العلماء سر الحياة الطويلة والصحية لسكان أوكيناوا .
ووفقاً لهذه النتائج فإن اتباع نظام غذائي منخفض البروتين ونظام يحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات يؤدي إلى استجابات فسيولوجية مختلفة تحمينا من مختلف الأمراض المرتبطة بالعمر - بما في ذلك السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض الزهايمر. ويحقق سكان أوكيناوا التوازن الغذائي الأمثل لتحقيق تلك الآثار , حيث أظهرت النتائج أن كبار السن في أوكيناوا لديهم معدلات أقل بكثير من مرض السرطان والسكري والخرف مقارنة بالسكان المسنين الآخرين حول العالم , كما لاحظ العلماء في معظم السكان عدم وجود لويحات صلبة " متكلسة " متراكمة حول الشرايين يمكن أن تؤدي إلى فشل القلب , وهو ما يحدث للكثير من الناس بمرور العمر , كما أظهر معظم المسنين تأخراً في ظهورالآثار المعتادة للشيخوخة , حيث يعيش ثلثاهم تقريباً بشكل صحي بدون مساعدة أحد حتى عمر 97 عاماً .
وعلى عكس بقية دول آسيا حيث يُعدّ الأرز هو الغذاء الرئيسي , فإن سكان أوكيناوا يعتمدون في غذائهم الرئيسي على البطاطا الحلوة والتي زُرعت لأول مرة هناك بعد أن وصلت إلى أوكيناوا عن طريق التجارة مع هولندا في أوائل القرن السابع عشر .
يشمل غذاء سكان أوكيناوا أيضاً على وفرة من الخضروات الخضراء والصفراء مثل البطيخ المر ومنتجات الصويا المختلفة , وعلى الرغم من انهم يأكلون لحم الخنزير والسمك وااللحوم الأخرى , إلا أنها تمثل عادة مكوناً صغيراً من اجمالي استهلاكهم , فالأطعمة النباتية هي الغالبة في نظامهم الغذائي .
وبالتالي فإن نظام أوكيناوا التقليدي غني بالفيتامينات والمعادن الأساسية بما في ذلك مضادات الأكسدة - ولكنه منخفض أيضًا في السعرات الحرارية.
في الماضي ، وعلى وجه الخصوص ، قبل دخول الوجبات السريعة إلى الجزر ، كان متوسط استهلاك الفرد حوالي 11٪ من السعرات الحرارية وهو أقل من الاستهلاك الطبيعي الموصى به للبالغين الأصحاء, ولهذا السبب ، يعتقد بعض العلماء أن سكان اوكيناوا يقدمون المزيد من الأدلة على إمكانية تعزيز فرص الحياة لفترة أطول عن طريق اتباع نظام غذائي "تقييد السعرات الحرارية".
ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين ، اعتقد بعض العلماء والأطباء أن تحديد كمية الطاقة التي تستهلكها باستمرار يمكن أن يكون له فوائد عديدة تتجاوز خسارة الوزن - بما في ذلك التباطؤ في عملية الشيخوخة.
وفي واحدة من أكثر التجارب إقناعًا ، أظهرت مجموعة من قرود المكاك resus التي تتناول سعرًا حراريًا أقل بنسبة 30٪ من القرود الأخرى انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 63٪ في الوفيات الناجمة عن الأمراض المرتبطة بالعمر على مدار 20 عامًا, كما بدوا أصغر سنا - كان لديهم عدد أقل من التجاعيد واحتفظوا بفراء شابّة لم يتحول لونها إلى الرمادي, ولكن نظرًا للصعوبات العملية ، لم تكتمل بعد التجارب السريرية الطويلة الأمد عند البشر لاختبار الآثار على طول العمر .
ولا يزال من غير الواضح لماذا سيكون اتباع نظام غذائي بتقييد السعرات الحرارية مفيدًا للغاية ، ولكن هناك العديد من الآليات المحتملة. أحد الاحتمالات هو أن تقييد السعرات الحرارية يغير إشارات طاقة الخلية ، بحيث يخصص الجسم مزيدًا من الموارد للحفظ والصيانة - مثل إصلاح الحمض النووي - بدلاً من النمو والتكاثر ، مع الحد من "الإجهاد التأكسدي" الناجم عن المنتجات الثانوية السامة لعملية التمثيل الغذائي والذي يمكن أن يسبب الضرر الخلوي .
أجرت Solon-Biet سلسلة من الدراسات التي تبحث تأثير التركيب الغذائي على شيخوخة الحيوانات ، وقد وجد فريقها باستمرار أن اتباع نظام غذائي عالي الكربوهيدرات يحتوي على نسبة منخفضة من البروتين يطيل عمر الأنواع المختلفة ،كما يقلل من بعض علامات الشيخوخة في المخ , وبشكل مثير للدهشة ، وجدوا أن النسبة المثلى لهذا النظام هي 10 أجزاء من الكربوهيدرات إلى جزء واحد من البروتين - وهي نفس النسبة التي يتبعها سكان أوكيناوا
هل تلعب الجينات دوراً في أوكيناوا ؟
- بالنظر إلى النتائج السابقة , فلا شك أن أوكيناوا تمتلك عدداً استثنائياً من السكان , ولكن هل يمكن أن يكون النظام الغذائي هو السبب الوحيد لها التميز ؟
يُعتقد أن الحظ الجيني أحد العوامل المهمة أيضاً , فبفضل جغرافية الجزر , أمضى سكان أوكيناوا فترات كبيرة من تاريخهم في عزلة نسبية , مما أعطاهم لمحة وراثية فريدة من نوعها .
فتشير الدراسات الأولية إلى أن هذا قد يشمل انخفاض معدل انتشار المتغيرات الجينية من نوع APOE4 التي قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب ومرض الزهايمر لدى السكان , بينما يكونون أكثر عرضة لحمل متغير جيني وقائي FOXO3 الذي يلعب دوراً في تنظيم التمثيل الغذائي ونمو الخلايا , وهذا يؤدي إلى قصر القامة , ولكنه يقلل من مخاطر الأمراض المختلفة المرتبطة بالعمر بما في ذلك مرض السرطان .
ومع ذلك - فلا يبدو أن طبيعة الجينات والنظام الغذائي قد يشرحا وحدهما سبب طول عمر سكان أوكيناوا , ففضلاً عن ذلك هناك عوامل أخرى مهمة في الغالب تتمثل في نمط الحياة التي يعيشها السكان في تلك الجزر , فنجد أن سكان أوكيناوا لديهم نسبة أقل من المدخنين عن معظم السكان , كما يعمل معظمهم في الزراعة وصيد الأسماك , لذا نجد أن اغلبهم نشط بدنياً , وبجانب ذلك تساعد مجتمعاتهم المتماسكة السكان على الحفاظ على حياة اجتماعية نشطة حتى سن الشيخوخة, كما ثبت أن التواصل الاجتماعي يعمل على تحسين الصحة وطول العمر عن طريق تقليل استجابات الجسم للتوتر في الأحداث الصعبة, (على النقيض من ذلك ، فقد تبين أن الوحدة ضارة مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم) .
في النهاية ، يرجع سبب صحة أوكيناوا إلى التقاء الحظ مع العديد من العوامل الأخرى ،ولكن قد نحتاج إلى سنوات عديدة من البحث لفهم أهمية كل عنصر من هذه المكونات قبل أن نتوصل أخيرًا إلى وصفة حقيقية لـ "إكسير الشباب".
المصدر /bbc.com
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات