image source - en.rfi.fr |
- كانت يوماً مركزاً مزدهراً للتعلم والثقافة - تمبكتو timbuktu - جوهرة الصحراء , تلك التي كانت موطناً للعمارة البارزة , ومكاناً يحوي أكبر المجموعات من المخطوطات القديمة في العالم .
كانت مزدهرة بتجارة الملح والذهب والعاج , وكانت جزءاً من الإمبراطورية المالية في القرن الرابع عشر الميلادي , إكتسبت مكانة عظيمة فيما مضى كمركزاً علمياً شهيراً في إفريقيا , نظراً لوجود جامعة سانكوري بها بالإضافة إلى إزدهار تجارة الكتب جنباً إلى جنب مع وجود العديد من العلماء المشهورين .
هي مدينة في غرب إفريقيا , تحمل إسماً يعني المكان البعيد الذي لم تطأه قدم بشر ولم يراه أحد , وكأنه على حافة العالم .
يقول فيها Lorraine Boissoneault, لورين بويسونيولت - العصر الذهبي لتمبكتو
" على الحافة الجنوبية للصحراء , شمال نهر النيّجر , هناك مدينة ذات أبراج ذات لون بني فاتح , وطرق تكسوها الرمال , لديها سمعة ثقيلة توازن ما يقرب من ألف سنة من التاريخ الذهبي , عاشت قرون مزدهرة فيما مضى , وصفها البعض كالجنة الخفية , و كانت مشهورة بإنها مصدراً غنياً بالذهب والألماس , تحولت من بؤرة صغيرة إلى مركز ثقافي رئيسي على مدار تاريخها . "
كيف أصبحت تبمكتو مركزاً للتّعلم ؟
- قبل التدخل الغربي في بلاد أفريقيا , كانت بعض الأجزاء الأفريقية تحت حكم الدولة الإسلامية , والكثير منها كانت تُعدّ كمراكز تجارية وثقافية كبيرة , وكانت مالي إحدى تلك المناطق أيضاً , وبإعتبارها أبعد مكان بين تلك البلاد , فأصبحت مشهورة في العالم المتوسطي ( الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الابيض المتوسط) في القرن الرابع عشر .
أشهر وأغنى حاكمها كان يُعرف بإسم " مانسا موسي " - منسى تعني ملك الملوك - , وقد وصل هذا الملك لمكانة أسطورية في ذلك الزمان , وصنفته بعض الإحصائيات كأغنى رجل في التاريخ , كما كان واحداً من ثلاثة مناسيس ( ملوك ) ذهبوا إلى الحج , حيث إستغرق حجه أكثر من سنة , ومع ذلك كانت بلادة مستقره أثناء غيابه مما يدل على قوة تلك البلاد وقتها .
يقال أن " مانسا موسي " قد ذهب للحج برفقة 80 إلى 100 من الإبل محملة بـ 300 جنيهاً من الذهب , قام بتوزيعها في طريقه على بعض البلاد مثل القاهرة , وعند عودته من الحج عام 1324 , أحضر معه الشاعر والمعماري المسلم " الساهيلي " , الذي بنى المساجد الشهيرة , وأكاديميات التعليم في تمبكتو وغاو .
وبعد ذلك أصبحت تيمبكتو مركزاً كبيراً للتعليم , وإنتشرت أخبارها في أوروبا وفي خرائط ماجوركا من عشرينات القرن العشرين وفي الأطلس الكاتالوني الفخم لعام 1375 - هو أهم خريطة في فترة العصور الوسطى- , وتم تصوير حاكم مالي في الخرائط كملك لاتيني بإستثناء وجهه الأسمر فقط .
يقول الكاتب التاريخي " فيليب فرنانديز أرميستو " في كتابه " قبل كولومبوس "
أطلس كاتالان - source |
" كان كل شيء متعلق بالمانسا في ذلك الرسم التصويري له في الخرائط يوحي بالجلالة , كان ملتحٍ , متّوج , ويجلس على العرش , يرتدي كسوة فخمة وممسكاً بصولجان , كان مدركاً للأمور , ومسئؤلاً وليس همجياً . "
العلماء والباحثين في تمبكتو
- مثل العديد من مراكز التعلم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية , تباهت تمبكتو بوجود العديد من العلماء على أرضها , وضمت أسماء مشهورة من العلماء , مثل موديبو محمد الكبوري والقاضي الحاج وأبو عبدالله وآغ محمد بن محمد بن عثمان وشيك سيدي أبو البركات محمود بن عمر بن عقيط والمختار حج محمد بن عتمان وعبد الرحمن أغ محمد بن عثمان ، أبو العباس أحمد بوريو بن و أغ محمد بن عثمان، أبو عبد الله و أغ محمد بن المختار النحاوي، آل مختار بن محمد بن المختار النحاوي بن و أغ محمد، أحمد بابا إس سوداني، محمد باغايوغو إس سوداني آل وانغاري تيمبوكتي , وغيرهم الكثير.
يقول " عثمان عمر كين " في كتابه " ما وراء تمبكتو " Beyond Timbuktu
" العديد من علماء تمبكتو كانوا يمتلكون مكتبات شخصية تتكون من مئات أو آلاف الكتب , وقدم أولئك العلماء تعليماً داخل المساجد مثل سانكوري ( سنكري ) , وسيدي يحيي , وجينجيرر بير - أكبر كليات المساجد في تمبكتو - , ولكن معظم العلماء نقلوا المعرفة إلى الطلاب في غرفة خاصة بمنازلهم التي ضمت الكثير من كتبهم "
الباحث والفيلسوف " أحمد بابا " من تمبكتو
أحمد بابا - source |
- أبو العباس أحمد بن أحمد التكروري الماسفي تمبكتوتي، المعروف باسم أحمد بابا , كان معلماً جيداً , أستاذاً وفيلسوفاً ومؤلفاً مشهوراً , ألّفّ أكثر من أربعين كتاباً في مجالات مختلفة , وكان عالماً بعلم النحو والصرف في اللغة العربية .
وتراوحت أعماله بين السير الذاتية والكتابات النقدية , وكان مستشاراً في جامعة سانكوري - في الوقت الذي كانت جامعة سانكوري مماثلة لأشهر جامعات التعليم العالي خلال الحضارة الإسلامية مثل الأزهر في مصر , القيروان في تونس , القرويين في المغرب , وجامع قرطبة في أسبانيا , ويقال أنها كانت مصدراً للفخر بين المجتمعات الإفريقية والكاريبية في جميع أنحاء العالم , لأنها كانت مؤسسة فكرية كبيرة يعود تاريخها إلى حضارات مالي وغينيا وسونغاي وخاصة خلال القرنين الثاني عشر إلى السادس عشر .
ومثل كثير من العلماء , قضى " أحمد بابا " حياته في الكتابة والتأليف , ومكتبته الشخصية تتألف من أكثر من 1600 مجلد في مجالات مختلفة .
جامعة سانكوري
- في واحدة من أبعد المناطق الجنوبية من أراضي الدولة الإسلامية , قامت جامعة سانكوري في تمبكتو , وكانت المؤسسة الفكرية الأشهر في مالي وغانا وسونغاي .
تم تطوير الجامعة من مسجد سانكوري الذي تأسس عام 989 م من قِبل القاضي الكبير في تمبكتو - العقيب بن محمود بن عمر - وكانت القاعة الداخلية للمسجد في حجم الكعبة المشّرفة في مكة المكرمة , كما قامت سيدة ثرية تُدعى " مانيكا " بتمويل جامعة سانكوري , مما جعلها مركزاً رائداً للتعلم , وإزدهرت بحلول القرن الثاني عشر , وكان عدد الطلاب بها 25,000 طالباً , وهو عدد هائل بالنسبة لمدينة تضم 100,000 شخصاً .
- كان للجامعة عدة كليات مستقلة , يدير كل منها أستاذ واحداً , وشملت مواد عديدة مثل القرآن الكريم , الدراسات الإسلامية , القانون , الأدب , الطب , الجراحة , الفلك , الرياضيات , الفيزياء , الكيمياء , الفلسفة , اللغويات , الجغرافيا , التاريخ , والفن , ولم يقتصر الأمر على تلك العلوم الذهنية فحسب , بل قضى الطلاب وقتاً في تعّلم التجارة , وإدارة الأعمال , والأخلاق , كما أن المحلات التجارية عرضت للطلاب دروساً في الأعمال التجارية , والنجارة , والزراعة , وصيد السمك , والبناء , وصناعة الأحذية , والخياطة , والملاحة .
- كانت درجة الدكتوراه تستغرق حوالي 10 سنوات في جامعة سانكوري وهي الدرجة الأعلى , كما تخرج فيها علماء من طراز عالمي , تم الإعتراف بأعمالهم ومنشوراتهم في أنحاء كثيرة من العالم .
source |
" كانت تمبكتو مركزاً للتعليم الإسلامي , وكان لديها مكتبات كاملة من المخطوطات المكتوبة باليد باللغة العربية , وفي العصر الحديث لازال هناك حوالي 700 ألف مخطوطة قديمة في تمبكتو , محفوظة في المكتبات العامة والخاصة , وتغطي موضوعات عديدة , كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك والطب والتاريخ والدين , ولكن كثير من المخطوطات معرضاً لخطر الضياع , حتى إن بعض صفحاتها هشّة , وتكاد أوراقها تتلاشى عند لمسها , كما تسببت الحشرات والرطوبة والعفن في إتلاف الكثير منها , ويقوم المسؤولون في تمبكتو الآن بجمع المال للحفاظ على تلك المخطوطات وتخزينها في ظروف أفضل " .
مدينة الأساطير
- تمبكتو , وصفها الرحالة والتجار بإنها أرض الأساطير والأحلام , كما وصفها البعض بالصحراء الملعونة , إذ تتحدث الأساطير عن أنها كانت في الأزمنة السحيقة , أرضاً خالية من البشر , وظل موقعها مجهولاً على الخرائط , وتسكنها ملكة الساحرات , التي سحرت عدداً من التجار أثناء عبورهم من تمبكتو قديماً , حيث يقال أن قافلة تجارية تضم 100 شخص ضلت طريقها وإختقت هناك, لذا كان يتجنبها التجار قديما .ويخشون أن يصيبهم ما أصاب تلك القافلة .
- لعل أولى العوامل التي دمرت حضارة تمبكتو , كانت تلك الرمال الزاحفة من الصحراء , التي إلتهمت كل شيء في طريقها ..
source- عدد من المخطوطات الإسلامية القديمة في مكتبة - أحمد بابا |
ما الذي حدث لتمبكتو ؟
source |
فظاهرة التصّحر التي عانت منها تمبكتو دمرت الغطاء النباتي الذي كان يحيط بالمدينة , كما ردمت فرع النهر الذي يصل المدينة بالمجرى الرئيسي لنهر النيجر , وبذلك توقفت التجارة عن طريق الملاحة النهرية ,و نتج عن ذلك الجفاف , وإتجه الكثيرون من سكان تمبكتو للعمل في أشياء أخرى , مثل الرعي وتربية المواشي بأعداد كبيرة, وأهملوا الزراعة , وبإرتفاع معدل ظاهرة الإحتباس الحراري , ساهم ذلك في زيادة الفقر والمرض بين السكان, كما قُتل البعض , وتم تهجير البعض الآخر نتيجة النزاع السياسي ..
فإنتهى عصر المدينة الأسطورية التي لُقب ملوكها بـ " ملوك الذهب " يوماً ما , لتصبح أرض الأبراج القديمة المغبّرة التي تخفي كنوزاً علمية لا تقدّر بثمن !
المصادر :
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات