على الرغم من أن الأخوان رايت كانا أول من اخترع الطائرة التي تعمل بالطاقة , إلا أن فكرة الطيران كانت موجودة منذ بداية الإنسانية , حيث حلم البشر بالطيران مثل الطيور , فالأساطير والخرافات التي صورت بشراً وكائنات مجنحة ليست قليلة في تاريخ البشرية .
ومن الصعب أن نتخيل اليوم عالماً بدون طائرات , فقد أصبحت الطائرات وسيلة المواصلات الأسرع , والأسهل في مجال السياحة والاقتصاد كذلك .
وربما كان حلم البعض منا في الصغر هو الطيران .. أن يصبح الواحد منا يوماً ما طياراً كي يتمكن من أن يحلق فوق السحاب ويزور شتى بقاع الأرض .. وقد كان لعباس بن فرناس الصبي الأندلسي مثل هذا الحلم أيضاً ...
- ولد " عباس بن فرناس " Abbas ibn Firnas في بلدة " رُندَة " وهي بلدة تقع بالقرب من " قرطبة " في الأندلس بأسبانيا , وذلك في عام 810 , وعاش حياته كلها في تلك المنطقة الإسلامية التي كانت معروفة بتطورها العلمي , حيث احتلت جامعاتها المرتبة الأعلى بين جامعات العالم بعد " مكتبة بيت الحكمة " ببغداد , وتطور الأندلس في ذلك الوقت قد ساهم بشكل كبير في التطور العلمي وقيام الحضارة الأوروبية , وابن فرناس كان واحدا من العلماء الذين ساهموا في ذلك بشكل كبير , فهو الشخص الذي صنع تاريخاً في مجال الطيران وقام بأول رحلة طيران في تاريخ البشرية .
آلة عباس بن فرناس الطائرة
- كرّس عباس بن فرناس حياته كلها للعلم , فقد كتب عدة كتب في الرياضيات وعلم الفلك والفيزياء , وكان مهندساً مثيراً للإعجاب , حاز على الإحترام والتبجيل , وكان متشوقاً ليكون أول رجل يبني آلة تسمح له بالطيران .
وعلى عكس أسلافه .. فقد نجح بالفعل , وكان قد كتب كتاباً وصف فيه طائرته , ومع ذلك فقد تم تدمير جميع كتبه وإحراقها , وتبقى القليل من أعماله التي تصف طائرته وهو ما استطاع المؤرخون استرداده , وهذا يفسر سبب ادعاء " ليوناردو دا فينشي " من القرن الخامس عشر بأنه صاحب الطائرة الأولى - بصرف النظر عن حقيقة أن طائرات دافنشي تشكل الأساس الفعلي الوحيد للطائرات الحديثة اليوم (الطائرات والمروحيات وغيرها) - , ولكن علينا الإعتراف بأن عباس بن فرناس قد نجح بالفعل في الطيران بطائرته في القرن التاسع قبل دافنشي .
تجربة الطيران الأولى
- بدأ عباس بن فرناس رحلته الأولى في عام 852 , حيث قام بن فرناس بربط جسمه بغطاء كبير عمل كجناحين , وعززه بقطع خشبية لتقويته , كما لو كان يحمل نوعاً من الطائرات الشراعية , وصعد بها إلى مئذنة أكبر مسجد في قرطبة وقفز .
لقد فشل " ابن فرناس " في تجربته الأولى تلك , ولكنه كان محظوظاً بما فيه الكفاية لأنه قام بالتحليق على ارتفاع منخفض فلم يصاب بجروج شديدة .
تجربة الطيران الثانية
- كان عباس بن فرناس شخصاً يتعلم من التجربة , ففي عام 875 , أي بعد حوالي 23 عاماً من قفزته الأولى , بنى ابن فرناس الذي بلغ من العمر 70 عاماً آنذاك آلة الطيران الثانية بعض قضاء سنوات طويلة في دراسة طبيعة طيران الطيور وتصميم جناحيها , وديناميكا الطيران .
بدا تصميمه الجديد بمثابة طائرة شراعية معلقة تحتوي على مجموعتين من الأجنحة لضبط الارتفاع والاتجاه , وكانت الأجنحة مصنوعة من ريش النسر بينما قام بتغطيه سطحها بالحرير
ثم قام بمحاولة الطيران الثانية قافزاً من على قمة جبل العروس بقرطبة , حيث تجمع حشد كبير من الناس في حماس, فهم لم يرغبوا في تفويت مشاهدة محاولة الطيران الثانية لابن فرناس , لكن العديد منهم أيضاً كانوا خائفين بنفس القدر , لأنهم لم ينسوا ما حدث في محاولته الأولى .
وألقى ابن فرناس خطاباً قبل أن يقفز من الجبل قائلاً
" في هذه اللحظة .. أود أن أقول لكم وداعاً , سأحرك جناحي لأعلى و أسفل حتى أتمكن من الطيران كالطيور , إذا سارت الأمور على ما يرام , فسوف أتمكن من العودة إليكم بأمان "
قفز ابن فرناس , واستطاع الطيران بالفعل لمدة 10 دقائق , ولكن عندما كان يحاول الهبوط , سقط وتحطمت طائرته , وكذلك كسر ظهره , , على الرغم من هذا كان " ابن فرناس " سعيداً بشأن محاولته , وعاش ابن فرناس لمدة 12 سنة أخرى بعد هذا الحدث , وفكّر في تلك السنوات الآخيرة في ما حدث من خطأ , وتوصل إلى استنتاج مفاده أن قد ركز كل طاقته على دراسة ميكانيكا الإقلاع ولكنه أهمل آليات الهبوط لذا تصميمه لم يتضمن آلية لإبطاء هبوطه , وانه نسى تصميم الذيل , ليساعده على الهبوط مثلما تفعل الطيور , , ولا شك أن " ابن فرناس " بهذه التجربة قد صنع تاريخاً في عالم الطيران , وربما كان صاحب أول قفزة بالمظلة في التاريخ .
ابن فرناس كان ملهماً لمن بعده
لم يقم ابن فرناس بمحاولة طيران أخرى خلال حياته , بل ستمر قرون قبل أن يحاول أحمد جلبي ، التركي العثماني ، في 1630-1632 أن ينزلق عبر مضيق البوسفور, وفي عام 1783 ، أطلق الأخوان مونتغوليفيون منطادًا هوائيًا مائيًا في باريس ، ولكن فقط في عام 1853 ، تمكن سير جورج كايلي من بناء أول طائرة شراعية حديثة تعتمد على فهم أساسي للنظرية الديناميكية الهوائية والانزلاق في مدينة يوركشاير بإنجلترا ، بعد ما يقرب من 1000 سنة بعد المحاولة الثانية لعباس بن فرناس في 875.
كتب ابن فرناس كتباً لوصف تفاصيل طائرته, ولكن تم تدمير هذا الكتب ، جنبا إلى جنب مع كتبه الأخرى ، عندما خسر المسلمون الحكم في إسبانيا وتم طردهم وإحراق كتب العلماء والمؤرخين , لكن تفاصيل تصميم طائراته نجت في مصادر لاحقة في أوروبا , ومع ذلك لا يزال " عباس بن فرناس " غير معروف لمعظم الناس حول العالم , ومن المرجح أن يكون السبب في ذلك هو عدم شهرة كتابات المؤرخين في ذلك الوقت .
ولا شك أن كتب " ابن فرناس " التي تحدث فيها عن طائراته وكيفية صنعها , كانت مصدر إلهام كبير لعالم لاحق مثل ليوناردو دا فينشي , حيث عرف دافنشي منذ البداية أن الذيل كان جزءاً ضرورياً من أجل الهبوط .
لم يتوفى ابن فرناس خلال تجربة طيران
لم يتوفى ابن فرناس أثناء محاولة طيران كما هو شائع , ولكنه تم الخلط بينه وبين " إسماعيل بن حمّاد الْجَوْهَري وهو عالم ولغوي، يكنى بأبي نصر وكان أصله من فاراب في كازاخستان حالياً ، و توفى أثناء محاولة طيران شبيه لمحاولة طيران ابن فرناس وذلك في مدينة نيسابور بإيران حالياً في عام 1003 م .
ولتكريم ابن فرناس ومساهماته في مجال الطيران ، سميت حفرة على القمر باسمه عام 1976، وكذلك مطار ابن فرناس في بغداد , وأحد الجسور على نهر الوادي الكبير في قرطبة.
للعلم / يُعرف عن عباس بن فرناس بمحاولته في الطيران البشري ، لكن لديه العديد من الإنجازات الأخرى , فقد كان عباس بن فرناس عالماً موسوعياً ومخترعاً , مهندساً وطيّاراً و طبيب , وشاعر عربي , كان عالم فلك قام ببناء القبة السماوية الميكانيكية مع الكواكب الدوارة , كما درس الأجهزة الميكانيكية والساعات. وكان لديه اهتمام بالبلورات والكوارتز والرمل الذي دفعه لتذويب الرمال ليصنع منها الزجاج الذي سمح له بصنع أكواب الشرب الأندلسية كما قام بالتجارب على العدسات وخصائصها المكبرة .
مصادر المقال / historiafactory - ilmfeed - mvslim
حقوق الترجمة محفوظة لمدونة / عالم المعرفة
كل مقالاتك جميلة وممتعة وذو فائدة فأنا من متابعي الصفحة من 5 سنوات او اكثر بالتوفيق ان شاء الله
ردحذفشكرا كثيرا اخي الكريم على هذه الكلمات الطيبة وعلى متابعتك الدائمة
حذفاجمل موقع على الانترنت
ردحذفشكرا لك كثيرا اخي الكريم
حذفعباس ابن فرناس
ردحذف