-->

الجمعة، 23 أغسطس 2019

هل يجب أن نقلق من النترات الموجودة في طعامنا ؟

- كلمة " النترات "  قد تجعلك تفكر في دروس الكيمياء التي درستها في المدرسة , أو تجعلك تفكر في الأشياء المتعلقة بالأسمدة الكيميائية , وقد لا تفكر كثيراً في احتمالية وجودها في طعامك .. وإذا فكرت في النترات في سياق الطعام , فربما سيتبادر إلى ذهنك صورة سلبية عنها - ولك الحق في ذلك , نظراً للدعوات الكثيرة في الآونة الآخيرة التي تدعو إلى حظر النترات والنيتريت من الأطعمة لآثارها المحتلمة المسببة للسرطان ! .
لكن العلاقة بين النترات / النيتريت والغذاء أكبر من مجرد القول ( أنها سيئة بالنسبة لنا ) .
فالمحتوى العالي من النترات الطبيعي لعصير الشمندر مثلاً يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وتحسين القدرة على أداء التمرينات الرياضية , والنترات أيضاً هي العنصر النشط في بعض أدوية علاج الذبحة الصدرية - وهي  حالة يؤدي فيها انخفاض تدفق الدم إلى ألم في الصدر .
فهل النترات والنتريت سيئة في الواقع بالنسبة لنا؟
النترات والنتريت ، مثل نترات البوتاسيوم ونتريت الصوديوم ، هي مركبات كيميائية تحدث بشكل طبيعي وتتكون من النيتروجين والأكسجين.
 يرتبط النيتروجين في النترات بثلاث ذرات أكسجين ، بينما يرتبط النيتروجين في النتريت بذرتي أكسجين و وكلاهما مادة حافظة تعمل على قمع البكتيريا الضارة في اللحوم المصنعة والمعلبة والسلامي وبعض الأجبان.
النترات-النيتريت- الغذاء-السرطان-الطعام-اللحوم المصنعة
وبسبب كل تلك الضجة المُثارة حول اللحوم المصنعة ، قد تتخيل أنها المصدر الرئيسي للنترات في نظامنا الغذائي , ولكن في الواقع ، لا يأتي من هذا المصدر سوى حوالي 5 % من النترات فقط في نظامنا الغذائي ، في حين أن أكثر من 80 % من النترات تأتي من الخضروات. 
تكتسب الخضروات النترات والنتريت من التربة التي تنمو فيها حيث تشكل النيترات جزءًا من رواسب المعادن الطبيعية ، بينما تتشكل النتريت عن طريق الكائنات الحية الدقيقة في التربة التي تعمل على تفتيت المادة الحيوانية.
تُعتبر الخضروات الورقية كالسبانخ والجرجير في مقدمة المحاصيل التي تحتوي على النترات , كما تُعدّ عصائر الكرفس والشمندر والجزر من المصادر الرئيسية للنترات , بينما تحتوي الخضروات المزروعة عضوياً على مستويات أقل من النترات حيث لا يتم استخدام أسمدة النترات الاصطناعية, على عكس الخضروات الغير عضوية
ومع ذلك .. هناك فرق مهم بين الطريقة التي يتم بها تضمين النترات في اللحوم مقابل الخضروات - وهذا يؤثر على ما إذا كانت مسببة للسرطان أم لا !


هل تسبب النترات الأمراض السرطانية حقاً ؟

النترات-النيتريت- الغذاء-السرطان-الطعام-اللحوم المصنعة
النترات غالباً ما تكون خاملة إلى حد ما من تلقاء نفسها , وهذا يعني أنها من غير المرجح أن تشارك في التفاعلات الكيميائية ,  لكن النتريت ، والمواد الكيميائية المتكونة منها ، أكثر تفاعلية.
معظم النتريت الذي نستهلكه لا يدخل اجسامنا بشكل مباشر , ولكن يتم تحويلها من النترات عن طريق البكتيريا الموجودة في الفم , ومن المثير للاهتمام أن الأبحاث تُشير إلى أن استخدام غسول الفم المضاد للبكتيريا يمكن أن يقلل بشكل كبير من عملية تصنيع النتريت عن طريق الفم .
عندما يتم ابتلاع النيتريتات المصنعة في فمنا , فإنها يمكن أن تتفاعل في البيئة الحمضية القوية للمعدة لتشكل النيتروزامين - وهي مواد بعضها مسرطن ولها علاقة بالإصابة بسرطان الأمعاء  , ولكي يحدث ذلك يلزم وجود مصدر للأمينات , وبعض المواد الكيميائية المرتبطة بالأمونيا والتي توجد بكثرة في الأطعمة البروتينية .
كما يمكن أن يتكوت النيتروزامين مباشرة في الأطعمة من خلال الطبخ عالي الحرارة , كما هو الحال في اللحوم المقددة المقلية .
تقول كيت ألين ، المدير التنفيذي للعلوم والشؤون العامة في الصندوق العالمي لأبحاث السرطان: "ليس الكثير من النترات / النتريت في حد ذاته (الذي يسبب السرطان) ، ولكن الطريقة التي يتم بها طهيها وكذلك البيئةالمحلية هي عامل مهم". . على سبيل المثال ، النتريت في اللحوم المصنعة قريبة من البروتينات (خاصة الأحماض الأمينية). عند طهيها في درجات حرارة عالية ، فإن ذلك يتيح لها تكوين النيتروزامين بسهولة أكبر ، وهو مركب يسبب السرطان. "
ولكن أضافت آلين إلى أن النتريت ليس سوى سبب واحد يساهم في أن اللحوم المصنعة قد تسبب سرطان الأمعاء , وأهميتها النسبية في هذ الأمر غير مؤكدة كذلك .
بينما هناك عدة مواد أخرى في اللحوم المصنعة يمكن أن تساهم في ذلك , مثل (الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات) التي تتشكل في اللحوم المدخنة ؛ و HCAs (الأمينات الحلقية غير المتجانسة) ، التي يتم إنشاؤها عندما يتم طهي اللحم على لهب مفتوح , والتي تزيد من فرصة تكّون الورم .
النترات-النيتريت- الغذاء-السرطان-الطعام-اللحوم المصنعة
وأشارت الأبحاث إلى أنه في المملكة المتحدة ، على سبيل المثال ، ُيصاب ستة من كل 100 شخص بسرطان الأمعاء في حياتهم. من أولئك الذين يتناولون 50 غراما من اللحوم المصنعة (حوالي ثلاثة شرائح من لحم الخنزير المقدد) يوميا .

مواد كيميائية جيدة 

- في الوقع - النيترتيات ليست كلها سيئة , فهناك أدلة متزايدة تدل على أن للنيتريتات فوائد للقلب والأوعية الدموية وغيرها بفضل جزيء يُسمى " أكسيد النيتريك " .

في عام 1998 , حصل ثلاثة علماء أمريكيين على جائزة نوبل لاكتشافهم دور غاز أكسيد النيتريك الهام للقلب والأوعية الدموية ,وبتنا نعلم الآن أن غاز أكسيد النيتريك يعمل على توسيع الأوعية الدموية ويُخفّض ضغط الدم , وأن انتاج الجسم المحدود لأكسيد النيتريك قد يرتبط بأمراض القلب والسكري وضعف الانتصاب .

إن إحدى الطرق التي يصنع بها الجسم أكسيد النيتريك هي نوع من الأحماض الأمينية ( حجر الأساس في تكوين البروتين ) تُسمى الحمض الاميني الأرجينين arginine , ولكن من المعروف الآن أن النترات الغذائية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تكوين أكسيد النيتريك , ونعلم أيضاً أن هذا قد يكون هاماً بشكل خاص لدى كبار السن , لإن إنتاج أكسيد النيتريك الطبيعي عبر الحمض الأميني أرجينين يقل مع التقدم في العمر .
ومع ذلك , يجب أن نعلم أن النترات الموجودة في اللحوم المصنعة او المقددة متطابقة كيمائياً مع تلك الموجودة في السلطة الخضراء التي قد تتناولها معها , ولكن الموجودة في السلطة الخضراء هي نتاجات نباتية طبيعية لا تشكل خطراً  كالتي تتكون في اللحوم  المصنعة , ويرجع ذلك إلى أن النترات الموجودة في الخضر الورقية تكون أقل عرضة للتلف ( أي تكوين النيتروزامين ) لأنها لا تحتوي على مستويات عالية من البروتين كما تحتوي على مكونات آخرى واقية من الأمراض مثل فيتامين C  والبليفينول والألياف , والتي ثبُت أنها جميعاً تقلل من تكوين مادة النتروزامين المُسرطنة .

لذا عندما تأتي معظم النترات الموجودة في وجباتنا الغذائية من الخضراوات - وتساعد بدورها على تكوين أكسيد النيتريك - فهي على الأرجح تكون جيدة بالنسبة لنا .

الكمية المناسبة من النترات / النيتريت 

النترات-النيتريت- الغذاء-السرطان-الطعام-اللحوم المصنعة
- من المستحيل عملياً تقدير كمية النترات الغذائية بشكل موثوق لأن المحتوى في الغذاء متغير بشكل كبير
بينما أشار  تقرير هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) لعام 2017 على كمية يومية مقبولة أو ADI (الكمية التي يمكن استهلاكها على مدى عمر دون مخاطر صحية ملحوظة) والتي تعادل 235 ملجم من النترات للشخص الذي يزن(63.5 كجم / 140 رطل) , لكن التقرير أشار أيضًا إلى أن الأشخاص من جميع الفئات العمرية يمكنهم تجاوز ADI بسهولة تامة.

بينما يزعم بعض الخبراء أن المستويات الأعلى ليست آمنة فحسب ولكنها مفيدة بالفعل - طالما أنها تأتي من الخضروات وليس اللحوم المصنعة.
فمثلاً تناول من 300 - 400 ملجم من النترات دفعة واحدة ( والتي يمكن الحصول عليها من طبق كبير من سلطة الجرجير والسبانج  أو جرعة من عصير الشمندر ) -هي كمية يمكن أن تعمل على خفض ضغط الدم .

ولكن ! كما هو الحال دائماً - الشيء الزائد عن الحد قد يكون ضاراً بشكل كبير , فالجرعات العالية جداً من النترات ( 2000 - 9000 ملجم من النترات )  قد تكون  شديدة السمية , فتسبب تغييرات في الهيموجلوبين الموجود في الشفاة والجلد , ولكن من الصعب الوصول إلى تلك الجرعات العالية من الطعام نفسه ومن مرة واحدة , ولكن قد تأتي تلك الجرعات العالية من التعرض لشرب مياه ملوثة بالأسمدة على سبيل المثال .
الخلاصة..
 إذا كنت ترغب في تناول الأنواع الصحيحة من النترات والنتريت وتتجنب الأنواع التي يحتمل أن تكون مسببة للسرطان ، فتناول وجبات متنوعة مما لا يقل عن خمس حصص من الفاكهة والخضروات يوميًا ، وتجنب تناول اللحوم المصنعة بكثرة , وبهذه الطريقة ، ستفوق فوائد النترات والنترات بالتأكيد جوانبها السلبية .
إقرأ أيضا / الأطعمة المصنعة .. الخطر المجهول 

المصدر / bbc.com

أترك تعليقا

ليست هناك تعليقات

إعلان فوق التدوينة


إعلانات

إعلان أسف التدوينة


إعلانات

كافة الحقوق محفوظة لــ عالم المعرفة 2017 - 2018 | تصميم : آر كودر