- إن عمليات البحث عن الساحرات والمحاكمات التي تلت ذلك ,وخاصة في أوروبا في العصور الوسطى , سواء كانت لأساب سياسية أو دينية , كانت دائماً من أكثر الكوابيس ظُلمة طوال تاريخ العالم ..
فقد تم استجواب الأبرياء - معظهم من النساء - ومعاقبتهم , وتعذيبهم , واغتصابهم , وحتى قتلهم وكل ذلك على افتراض أنهم مارسوا نوعاً من السحر أو الشعوذة , وغالباً كانت العقوبات ملتوية وغريبة وغير مألوفة , غالباً ما كانت بطيئة ومؤلمة على حد سواء !
ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بنظرة تاريخية , سنجد أن هناك شيء مؤكد من فترة طويلة , وهو أن المجتمعات كانت تكافح للتغلب على طبيعتها الخرافية , ومحاربة الجهل بالعلم , ولكن للأسف فقد الآلاف, إن لم يكن الملايين حياتهم في هذه المعركة .
معظمنا على علم بما حدث في محاكمة الساحرات في سالم ماساتشوستس , التي كان لها رنيناً باقٍ صداه في طرقات تاريخ أوروبا حتى اليوم , ولكن هذه التجارب لها تاريخ طويل ومؤلم للغاية ..
وإليك 10 لحظات زمنية في تاريخ محاكمة السحَّرة منذ بدايتها باعتبارها مجرد قوانين ضد السحرّة وحتى ذروة إجراء المحاكمات الأكثر تعذيباً ...
1- السحر في عصور ما قبل التاريخ
- قبل ظهور الأديان السائدة وخاصة التوحيدية , كان هناك ما يمكن أن نسميه بالسحر الذي كان مجرد ممارسة مقبولة , وقد يقوم بها الجميع تقريباً , لأن الجميع كان يؤمن بالأمور الخارقة للطبيعة .
تواجد السحر منذ فجر الجنس البشري , وفي الواقع يمكننا أن نثبت نسبياً أن السحر كان موجوداً قبل الحضارة , وذلك من خلال التاريخ المنقوش على حوائط الكهوف , والتي صورت طقوساً مختلفة تجري لأسباب مختلفة مثل البحث عن الصيد وتوفير الغذاء .
كما نعلم أن طائفة الشامان قيل أن لهم اتصال مع قوى الطبيعة والأرواح , ويمكن ان نعتبر هذا ضرباً من ضروب ممارسة السحر .
يخبرنا الفن الصخري والحجري بما كان عليه هؤلاء الناس , ويمكن أن نفترض أنه على الرغم من أن اولئك السحَّرة كانوا موقرين للغاية , إلا أنهم لم يكونوا معصومين , مما يعني أنه كان عليهم تحقيق نتائج , وإن لم يفعلوا ذلك , فمن المفترض أن عقابهم سيكون القتل , بالنسبة إلى ذلك العالم الدموي من عصور ما قبل التاريخ .
2- في بابل القديمة
- مثل الكثير من قصص الحضارة , اشتملت حضارة بابل القديمة على مواضيع السحر ومحاكمة السَّحَرَةِ , كما جاء في قانون حمورابي , من عهد الملك حمورابي من بابل القديمة , الذي حكم من من الفترة 1792 حتى 1750 قبل الميلاد , وقد احتوى القانون على 282 قانوناً مفصلاً في أمر محاكمة السَّحرة .
من بين تلك القوانين واحداً من أقدم القوانين التي كُتبت ضد السَّحرة على الإطلاق , والتي مهدت الطريق لمزيد من القوانين في وقت لاحق .
ينص القانون على : إذا واجه شخص ما اتهاماً بالسحر , فيتم إلقاء المتهم في النهر , فإذا غرق في النهر , تثبت عليه تهمة السحر , ويقوم الذي اتهمه بالاستيلاء على منزل المتهم , ولكن إذا ثبت أن المتهم غير مذنب بنجاته من الغرق , فسيتم إعدام من أتى بالتهمة , ويحق للمتهم أن يستولى على منزل من اتهمه ظلماً .
لم تكن هذه المحاكمة هي أول حالة معروفة لاختبار السَّحرة عن طريق الماء , ولكن احتوت القوانين السومرية القديمة المعروفة بالـ Ur-Nammu على نفس القانون , وكانت تلك القوانين هي بدايات متواضعة للعديد من الأشياء الكابوسية التي استمر تطبيقها لعدة قرون .
3- في روما القديمة
- دعونا ننتقل إلى العام 331 قبل الميلاد , حيث عالم روما القديم الذي كان لا يزال في بداياته , في ذلك الوقت تمت محاكمة 170 امرأة أو ما يقرب من ذلك وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر , وفي ذلك الوقت كانت روما مازالت تهيم في عالم الخرافة , ولم تكن تلك الامبراطورية التي ستصبح عليها في النهاية كما نعرفها .
في ذلك الوقت لم يكن هناك حتى البذور البدائية لعلم الدواء , فمعظم الأدوية وقتها كانت تتكون من الأعشاب والنباتات الأخرى , ولا تمت للعلم بصلة حتى , فكان هناك الكثير من التخمينات والتجارب الخاطئة في تلك الأدوية .
إقرأ أيضاً : 4 أمراض ربطها الناس بالسحر واللعنات في العصور القديمة
ولكن قبل أكثر من 100 عام من التاريخ السابق , حوالي 450 قبل الميلاد , تم إنشاء قانون الجداول الاثنى عشر , وهو أول قانون مكتوب معروف في روما القديمة , وكان هذا القانون هو بدية الهيكل القانوني بأكمله الذي سيعتمد عليه هيكل الإمبراطورية الرومانية التي ازدهرت بعد ذلك .
كانت هناك أساسيات مدرجة في هذا القانون أُعتبرت مقدسة , وكان من ضمنها قوانين ضد السحر .
تم استخدام هذه القوانين حتى عام 331 قبل الميلاد , ففي هذا العام , وبعد حدوث وباء غير معروف أسبابه ضرب روما فجأة , تمت محاكمة 170 امرأة وإعدامهن بتهمة التآمر لارتكاب تسمم جماعي بالأدوية التي قدمونها للناس , وكانت هذه هي واحدة من أولى المحاكمات الجماعية المعروفة و المسجلة في التاريخ .
4- عيد باخوس
- في العصور القديمة , كانت هناك طوائف ومجموعات واسعة من الناس تعبد ما يُسمى بالإله باخوس في روما القديمة , ومن قبله ديونيسوس في اليونان القديمة , وكان الناس يمثلون تلك الآله بالعديد من الأشياء الماجنة كالنبيذ والجنس والفجور والمتعة عامةً , تلك العربدة البذيئة تم تنفيذها في احتفالات ومهرجانات منذ العصور القديمة في اليونان وحتى ظهور الإمبراطورية الرومانية , وأطلق على تلك الاحتفالات اسم باتشاناليا .
استمر هذا الأمر حتى تم سنّ قوانين روما ضد هؤلاء في عام 186 قبل الميلاد , وقد واجهت تلك القوانين تلك الطوائف أو اي شخص يشارك في تلك المهرجانات , وألحقت بهم عواقب وخيمة وفادحة , حيث تمت إدانتهم بممارسة السحر والشعوذة وتم إعدام معظمهم تقريباً .
5- في العصور الوسطى
- على عكس الاعتقاد السائد , لم يكن أهل العصور الوسطى عدوانيين للغاية تجاه السحر , بل أنهم لم يكادوا يأخذون فكرة السحرة على محمل الجد , ولكن في البداية كان هناك من يؤيد وجود السحر كالقديس أغسطينوس من هيبو الذي عاش في القرن الخامس , وكان مفكراً قوياً ومؤثراً عاصر فجر ظهور المسيحية , وكان يؤمن حقاً بأن أي شيء وثني ليس فقط شرير بل إنه من الشيطان ايضاً , وبالتالي تم ترسيخ فكرة أن أي شيء خارج الإطار العام للمسيحية هو من الشر والشيطان .
ومع ذلك - لم يكن هناك الكثير من القوانين ضد السَّحرة حتى القرن السابع , بينما بدأت المزيد من القوانين ضد السَّحرة في الظهور خلال القرن التاسع , وبدأت تترسخ في أوروبا في العصور الوسطى .
ولعدة قرون بعد القديس أوغسطين , لم يهتم أحد بصدق بالسحر , وكان معظم الناس يعتقدون انه محض هراء خرافي , ولكن بعد إقرار القوانين بدأ الناس يؤمنون بالسحر والشعوذة , والممارسات الشريرة , حتى الأطباء كان يتم اتهامهم بالتحالف مع الشيطان .
6- في القرن الـ 13
- القرن الثالث عشر كان قرناً سيء الحظ حقاً , حيث شهد ذلك الوقت زيادة كبيرة جداً في الخرافات المحيطة بالساحرات و وكانت هذه البداية الحقيقية لاضطهادهم على أيدي الكنيسة .
بدأ الباباوات والشخصيات الدينية في مهاجمة أي شخص يمارس السحر أو أية طقوس خارج الصلاة المسيحية .
بدأت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في إنشاء محاكم التفتيش رسمياً في عام 1184 بقيادة البابا لوسيوس الثالث , وقد تم انشاء مجموعة جديدة من القوانين المكافحة لأي معارضة دينية في جميع أنحاء أوروبا .
كل هذا قد أعطى السطة القضائية الحق في مطاردة وملاحقة الساحرات , ثم قام البابا غريغوري السابع بتعيين أول قضاة في عام 1227 , مما منحهم السلطة على كل شيء تقريباً باسم محاكم التفتيش , وكان هذا هو الوقت الذي بدأ فيه التعذيب الحقيقي للهراطقة .
7- في الفترة الحديثة المبكرة
- شهدت الفترة الحديثة المبكرة في أوروبا , والتي امتدت من عام 1450 إلى 1750 تقريباً , زيادة كبيرة في عمليات مطاردة السَّحرة , وخلال هذا الوقت , كان هناك حوالي 10,000 شخصاً - معظمهم من النساء - يُشتبه بأنهم يمارسون السحر والشعوذة , وقد تم إعدام نصفهم غالباً عن طريق الحرق .
وقعت العديد من عمليات القتل بنفس الطريقة في ألمانيا , خاصةً في منطقتين تعيستي الحظ هما ترير وفورتزبرغ , وفي عام 1589 , قُتل حوالي 133 شخصاً على أيدى الدولة بناءاً على طلب من الكنيسة في يوم واحد .
لقد كان الألمان يقتلون اولئك الذين يخشون أن يكونوا ساحرات بلا رحمة , وفي عام 1629 , أُعدم 279 شخصاً في تلك المناطق باعتبارهم من السَّحرة .
إن فكرة أن أي ساحر - بغض النظر عن ماهيته أو شكله - يجب أن يُعدم , انتشرت عبر أوروبا كالنار في الهشيم , فكانت كل دولة من اسكتلندا إلى سويسرا تقتل الناس بشكل جماعي .
جرت عشرات المحاكم الضخمة في جميع أنحاء أوروبا , ومن المأساوي أن الآلاف فقدوا أرواحهم بسبب الاشتباه في قيامهم بأعمال السَّحرة .
ولّد هذا الأمر مهنة جديدة هي ( صيادين السَّحرة ) - الذين كانوا يبحثون عن علامة الشيطان المفترضة على الناس , وأي شخص لديه اي نوع من تلك العلامات لا يمكن أن يعيش بمأمن حقاً , فالدولة والكنيسة في ذلك الوقت اجتمعتا معاً تحت جنون السلطة وانتابهما حمى مطاردة السحر والشعوذة بشتى الطرق .
8- في كونيتيكت بأمريكا
- سرعان ما انتشر هوس اضطهات الساحرات إلى امريكا , حيث كان يتم البحث عن السَّحرة , وزادت طلبات توظيف صائدي الساحرات , ومن المفترض أن علامات الشيطان المزعومة كانت موجودة على أي شخص تقريباً , وبالتالي نفُذّت العديد من عمليات الإعدام عن طريق الحرق بشكل أساسي .
كونيتيكت كانت أول منطقة تضررت بشدة من هذه الهستيريا وسفك الدماء , وكانت " أليس " أول ضحية معروفة في هارتفورد في عام 1647 , ومن هناك بدأ سكان ولاية كونيتيكت بقتل آخرين كما حدث عبر المحيط الأطلسي في أوروبا لعدة قرون .
بدأت عمليات الصيد الجماعي للساحرات ومحاكمات السَّحرة , واستكمال عمليات الإعدام والتطهير , وكان يمكن لأي شخص أن يُشار إليه بإصبع الاتهام في ذلك الوقت بكونه ساحراً , خصوصاً مع اشتراط وجود شاهد واحد فقط .
كما اتبعت الدولة في ذلك الوقت اساليب التخويف والتعذيب للحصول على اعتراف , فكان أول اعتراف بالسحر المسجّل في ولاية كونيتيكت , جاء من إمرأة تُدعى " ماري جونسون " في عام 1648 , وشهدت السنوات اللاحقة العديد من عمليات الإعدام الوحشية عقب اعترافات تم اجراؤها تحت وطأة الإكراه الشديد والتعذيب .
استمر هذا الأمر حتى قام الحاكم " جون وينثروب " بسن قانون اختبار السَّحرة عن طريق الإلقاء في الماء كما كان يحدث في بابل القديمة , وكذلك حرق السحَّرة أحياء , ولكن لحسن الحظ لم يُقتل أحد يشتبه في كونه ساحراً بعد عام 1662 , على الرغم من أن محاكمة السَّحرة في ولاية كونيتيكت قبل ذلك كانت عبارة عن أفلام رعب .
9- في ماساتشوستس
- ومن كونيتيكت , انتشرت حمى مطاردة الساحرات إلى ماساتشوستس , حيث بلغت ذروتها بما يُعرف بأنه أكثر محاكمات الساحرات شهرة على الإطلاق - محاكمات ساحرات سالم .
في عام 1692 , بلغ جنون الاضطهاد ذروته , حيث تم اتهام 200 شخص بممارسة السحر والشعوذة , واستحضار قوى الطبيعة لفعل أشياء شريرة , وكان من بين المتهمين 20 طفلاً تم إعدامهم جميعاً .
كل تلك الهيستريا جعلت الجميع يعتقد أن الشيطان كان يحاول تدميرهم وعائلاتهم , فنظر الجميع إلى كل من حولهم بشك كبير , وعندما وُجهت اتهامات السحر نحو 6 فتيات صغيرات , بدأت العاصفة , وصدقت المدينة بأكملها .
في المجموع , تم أُعدام 19 شخصًا بسبب جريمة السحر ، وتعرض آخرون للتعذيب حتى الموت , ولكن كل هذا انحسر في النهاية بشكل مفاجيء , حينما بدأ سكان سالم يشعرون بالذنب الشديد , ناظرين إلى بعضهم البعض متسآئلين عما فعلوه , وهكذا .. فإن واحدة من أحلك الفصول في تاريخ البشرية قد انتهت .
إقرأ أيضاً : مطارة الساحرات في أوروبا .. جنون حقيقي
10 - بعد الكارثة
- بعد ما يقرب من عامين من الخوف , الذُعر , جنون الاضطهاد , القتل , والمحاكمات القاسية , تم الإفراج عن آخر السحرة المزعومين , وهدأت حمى مطاردة الساحرات , وعاد الجميع إلى حياتهم العادية كما لو لم يحدث شيء .
كانت هذه هي نهاية عمليات صيد السَّحرة ومحاكماتهم بعد آلاف السنين من الألم والعقاب باسم الخرافات , ولكن هذا لا يعني أن هذه كانت نهاية عمليات صيد السَّحرة تماماً .
فلا تزال العديد من الدول تقوم بمطاردة الساحرات , ففي الآونة الأخيرة خلال العقد الماضي , حدثت عمليات صيد الساحرات وقتل أشخاص في أماكن مثل إندونيسيا والكاميرون وغانا , والمزيد من الدول .
الخلاصة :
السحر ليس جميعه شيئاً من ضرب الخيال , السحر موجود كما ذكره القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى , والَّسحرة الذين يتعاملون مع الكيانات الأخرى كالجن والشياطين من المؤكد أنهم متواجدون في عالمنا , ولكن هذا لا يعطي لأحد الحق في ترهيب وقتل وتعذيب الناس ومعاقبة من اُشتبه فقط في كونه ساحراً , وإلصاق تهمة السحر بكل من نادى بالعلم , فكم قُتل من علماء ومفكرين وفلاسفة باسم الهرطقة والشعوذة , وكم من إمرأة أُحرقت بتهمة السحر بسبب ُقبحها او تشوهها , وكم من مرة أُلقي الاتهام على السحر بسبب انتشار مرض ما دون البحث عن اسبابه العلمية , الحقيقة لم يكن السحر هو السبب في ذلك في العصور الوسطى وخاصة في أوروبا إنما الجهل كان هو سيد كل تلك المواقف المُخذلة في التاريخ .. وحمد لله أن عالمنا العربي في ذلك الوقت لم يسمح بذلك الظلام أن ينتشر في أراضيه بل كان الشرق وقتها أرضاً للعلم والنور ...
مصادر / listverse.com
موضوع جميل شكرا لك
ردحذف