منذ الأزمان السحيقة ، واجتذبت الأماكن النائية والبرية في عالمنا كل أنواع الأساطير والخرافات ، فالطبيعة تمتلك جاذبية بدائية وأصيلة بالنسبة لنا ، احساس بالغموض لا يسعنا إلا ان نتساءل عنه كلما مررنا بمنطقة نائية من الأرض .
اجتذبت الغابات المظلمة والبرية القاتمة جميع أنواع حكايات الوحوش والأشباح والقوى الخارقة ، امتدت عبر الثقافات والحدود الجغرافية ، وتراوحت بين القوى الخيّرة وتلك الشريرة والأكثر شراً .
وعند البحث في كثير من الأساطير والتقاليد ، من الصعب ألا نتساءل عما إذا كان أي منها يعتمد على شيء حقيقي أو العكس .
أحد الأساطير المتعلقة الغابات في كثير من الثقافات كانت عن حالات الإختفاء الغامضة في الغابة ، او تلك الحالات التي يبدو فيها الناس على وشك الاختفاء من على وجه الأرض ، في مثل هذه الحالات غالباً ما يكون هناك شعو بإن شيئاً ما غامضاً ويتجاوز العقل يكمن بين الأشجار ، ويجذب الناس عن طيب خاطر .. ! وهناك الكثير من الأساطير القديمة التي تُشير بالفعل إلى وجود صلة بين الأسطورة والواقع .
أسطورة الأحمق الشارد - الفلكلور الأيرلندي
- توجد العديد من المعتقدات من جميع أنحاء العالم التي تصف قوى غامضة في البرية تعمل على إرباك الناس وحتى نقلهم إلى عالم آخر ، وفي الفلكلور الأيرلندي تتجلى تلك الأسطورة والتي تُسمى ( الأحمق الشارد ) “Stray Sod” !
تتحدث الأسطورة عن عشب مشبع بخصائص سحرية يُسمى ( الأحمق الشارد ) ، ويُنسب عادةً إلى الجنيات ومعروف ايضاً باسم Fae - إذا خطى عليه الشخص ، فسوف يصاب بالتشوش ويفقد طريقه في الغابة ، بغض النظر عن مدى درايته بالمنطقة ، فيظل الشخص الخاضع لتلك القوى السحرية يتجول في دوائر او بشكل أعمق في البرية ، غير قادر تماماً على معرفة كيفية العودة ، وفي بعض الحكايات يٌقال أن المشهد بأكمله يتغير ، كما لو أنه قد تجاوز حاجز الزمان والمكان وانتقل إلى عالم آخر !
يُقال أن الطريقة الوحيدة لكسر هذه التعويذة هي خلع الشخص لملابسه وارتدائها من الداخل للخارج ، فإذا حالفه الحظ فسيتخلص من السحر بهذه الطريقة ويعثر على طريقه مرة أخرى ، او يمكن للشخص المسحور العثور على أعشاب معينه من المفترض أن تحدث تأثيرات معاكسه لمفعول عُشب الأحمق الشارد .
ويقدم كتاب الأساطير الأيرلندية القديمة بقلم " جاين وايلد Jane Wilde " وصفاً درامياً إلى حد ما لسحر الأحمق الشارد ..
" هناك عشب ، عشب خرافي ، يُدعى Faud Shaughran او الأحمق الشارد "stray sod" ، وكل من يُسير في المسار الذي ينمو عليه يخضع تحت تأثير سحر يجعله يمشي بلا هدى وبلا توقف في حالة هذيان واضطراب ، عبر مستنقع او جبل ، عبر الأسوار والخنادق ، ويستمر في السير حتى إن كان مرهقاً او مصاباً ، بملابس ممزقه وايادي تنزف ويجد نفسه في الصباح على بعد عشرين او ثلاثين ميلاً من مكانه .
وأولئك الذين يقعون تحت هذا التأثير الغريب لديهم طوال الوقت إحساس بالطيران وغير قادرين تماماً على التوقف أو التراجع او العودة لمهامهم ، ومع ذلك هناك عُشب آخر يمكن أن يحيد آثار تلك العشبة السحرية ، ولكن فقط اولئك الذين لديهم تلك المعرفة الغامضة يمكنهم الاستفادة من خصائص ذلك العشب المعالج " .
- يزخر الفلكلور الأيرلندي بالعديد من القصص عن أشخاص احتجزوا تحت سلطة الأحمق الشارد ، او عن اولئك الذين اختفوا للأبد ، وبعض هذه الحالات كانت مثيرة للاهتمام للغاية .
في الواقع ، فإن أحد المؤلفين الذين كتبوا الكثير عن تلك الحالات المفترضة كان قِساً يُدعى " Diarmuid A. Mac Manus " ديارمويد آي ماكمانوس ، الذي كتب العديد من الأعمال عن الجنيات في أيرلندا ، بما في ذلك كتاب " شعب الأرض الأيرلندي " Irish Earth Folk (1960) - والمملكة الوسطى : عالم الجنيات في ايرلندا The Middle Kingdom: The Faerie World of Ireland (1959) ، ويتضمن عمله العديد من القصص التي يُفترض أنها حقيقية لظاهرة الأحمق الشارد أحدها قصة القس السيد هاريس ، وكما تقول الرواية ، فإنه في صيف 1916 ، زُعم أن القس هاريس ذهب في رحلة لزيارة رجل مريض جداً يعيش في مكان غير بعيد ، على مسافة مسيرة 7 أميال فقط ، والتي قطعها عدة مرات من قبل ، لذلك أخبر زوجته أنه سيعود في غضون ساعتين .
في طريقه , مر القس عبر بوابة وقرر قطع الحقل اختصاراً للمسافة ، حيث توقع أن يجد سُلماً على الجانب الآخر ، حيث يستمر الطريق ، وقد اتخذ هذا الطريق المختصر في مناسبات عديدة من قبل ، لذا كان من المفاجيء بالنسبة له عدم عثوره على اي سُلم عند وصوله للجانب الآخر من الطريق ، في الواقع لم يعد بإمكانه رؤية أي دليل على الممر بعد الآن ، اعتقد في بداية الأمر أنه ربما يكون قد ارتكب خطأ ومضى في طريق آخر ، لذلك اتبع السياج حول الحقل وقام بدوران كامل دون أن يعثر على تلك السلالم ، والغريب أنه لم يكن هناك أي علامة على البوابة التي دخل منها ، ولم يجد الطريق الذي سلكه في أي مكان يمكن رؤيته ، وبحث في ذلك الحقل لساعات عن اية علامة ترشده لطريق البوابة فلم يجد ، بل في الواقع لم يعثر على اية وسيله تمكنه من الخروج من ذلك المكان على الإطلاق .
نما الذعر بقلب القس مع كل لحظة تمر عليه ، حتى عادت الأمور فجأة إلى طبيعتها ، ظهر الممر وظهرت البوابة مرة أخرى ، ووجد نفسه يقف بجوار الدرج الذي كان يبحث عنه من فترة دون جدوى .
وكانت هناك العديد من التقارير المشابهة عن حالات اختفاء وتشتت غامضة في الغابات تخضع لتلك الأسطورة ، حدث الكثير منها خارج أيرلندا أيضاً وفي العصر الحديث كذلك .
فهناك حالات أخرى غريبة ويصعب تصنيفها أيضًا مثل تلك الحادثة التي حدثت في في أغسطس من عام 1897 ، حيث اختفت فتاة تبلغ من العمر 6 سنوات تدعى ليليان كارني في ولاية مين الأمريكية عندما كانت بالخارج مع والديها لقطف التوت الأزرق.
وفقا للوالدين ، فقد اختفت تحت أنوفهم. ووقد توسع البحث الأولي للمنطقة بسرعة ليشمل أكثر من 200 باحث يجوبون المنطقة وينادون باسم الفتاة ، وكل ذلك كان دون جدوى.
بعد بحث مكثف ، تم العثور على ليليان في الغابة في حالة ذهول وهذيان ، وعندما سُئلت عما حدث لها ، أجابت الفتاة المذهولة بأنها كانت في مكان في الغابة حيث كانت الشمس مشرقة طوال فترة وجودها هناك، ولكن كان هذا غريباً بالنظر إلى أن الطقس في وقت اختفائها كان غائمًا جزئيًا ، وكانت محاطة بمظلة كثيفة من الأشجار بعيدًا عن أي مدينة ، وكانت مفقودة طوال الليل ، لمدة 46 ساعة تقريبًا. ماذا كان هذا "ضوء الشمس" المستمر الذي رأته ، وما أهميته في اختفاء ليليان؟ لا يزال الأمرمجهولا بشأن تلك الحادثة .
كما ان الفلكلور الفنلندي أيضاً يحتوي على اسطورة مشابهة لأسطورة " الأحمق الشارد " وتُسمى Metsänpeitto ، ويعني "الغطاء الحرجي" ، والذي يعتبر مثل الأحمق الضالة لديه قوة سحرية تنتجها أرواح الغابة التي تتسبب ليس فقط في ضياع الناس ، ولكن أيضًا في أن يصبحوا غير مرئيين للأشخاص الآخرين الذين يبحثون عنهم .
و كما هو الحال أيضًا مع الأحمق الضالة ، فإن إحدى الطرق لإلغاء التأثيرات هي إما ارتداء ملابس المرء من الداخل إلى الخارج أو وضع حذائه أمام قدمه .
وفي اليابان هناك أيضاً أسطورة مماثلة تُسمى " كاميكاكوشي ، أو "الحماسة بعيدًا" ، حيث يتم إغراء الناس بعيدًا عن طريق الأرواح ليتم اختطافهم ونقلهم إلى عالم آخر.
عند النظر إلى تقارير مثل هذه والعديد من التقارير الأخرى المماثلة ، يكفي أن نتساءل عما إذا كانت مثل هذه الحالات والتجارب غير العادية قد تكون قد ساهمت في ظهور أساطير مثل الأحمق الضالة وغيرها !
سواء كان الأمر يتعلق ببقع سحرية من الأرض أو أرواح الغابات ، فهل هناك احتمال أن تكون مثل هذه الحالات الغريبة على الأقل هي أصول لهذا النوع من الفلكلور ؟ أم هل هناك ربما قوى خارجة عن فهمنا كانت موجودة منذ فترة طويلة حتى نبتت منها أساطيرهم وحكاياتهم ؟
إذا كان الأمر كذلك ، فما هي تلك القوى الخارقة التي قد تجذب هؤلاء الناس وتشوشهم بهذا الشكل ، ولماذا؟ وكيف صمدت كل تلك الأساطير لفترات طويلة من الزمن ؟ .
المصدر / mysteriousuniverse
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات