-->

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

الذكاءات المتعددة .. مدخل لإدارة العقل البشري



ظلت محاولات صنع الإنسان المفكر ، الماهر بجميع عمليات التفكير والابداع الشغل الشاغل لعلماء التربية وأخصائيي تطوير التفكير .

هذه المحاولات على اختلاف توجهاتها كانت غالبًا ما تجتمع في النهاية على أمرٍ واحد وهو الوصول إلى تحليل علمي واقعي لأنماط التفكير و تحليل قدرات العقل البشري ودراسة الطرق المناسبة لتعلّمه ، ولم تخلو مسيرة تلك المحاولات من التحديات المتعددة كنتيجة طبيعية لتعدد الإمكانات البشرية واختلاف طرق تعاطيها مع الواقع ، علاوةً على ما يمثله العقل البشري من كونه جهاز معقد يؤثر في مختلف مواقف الحياة وظروفها ويتاثر بها .



ومن أكثر صور هذه التحديات تعقيداً، الوصول إلى الوسيلة المناسبة لتعلّم الفرد ، حيث تحدث في داخل عقل الإنسان وجهازه العصبي آلاف العمليات العقلية المتداخلة.


ظهرت كنتيجة طبيعية لذلك عدّة نظريات وآراء تحاول فهم فلسفة آلية وطريقة اكتساب المعرفة وادارتها، وتفسير العمليات العقلية الباطنية والظاهرية التي تحدث وتؤثر في استقبال الفرد للمعلومات وطريقة التفكير لديه.


كان ذلك هو الدافع الرئيس للمهتمين بذاك الشأن خاصة علماء التربية وعلم النفس لإيجاد تفسيرات منطقية لطرق اكتساب المعرفة ومعالجة المعلومات، تعتمد على انماط التفكير وكيفية ادارة تلك المعارف من حيث تعظيم القدرة على الاحتفاظ بها وتحليلها واسترجاعها واستثمارها وقت اللزوم .


وكما قال هوارد غادرنر فإن التعامل مع عقول مختلفة القدرات بذات الطريقة يعد خطأ كبير ومن هنا فإن نظرية الذكاءات المتعددة تعدّ من النظريات المفيدة في معرفة أساليب التعلم وأساليب التدريس فأنها تكتشف مواطن القوة والضعف عند المتعلم أو ما يمكن أن نطلق عليه المفاتيح العقلية .


ويرى جاردنر أن الذكاء عبارة عن ثمان قدرات تمثل الذكاء العام عند المتعلم على عكس ما كان يتم التعامل مع الذكاء على اساسه من قبل إزدادت هذه الانواع الى إثني عشر نوعًا فيما بعد نتيجة التوسع في البحث العلمي في هذا المجال ، غير اني أعتمد الثمان انواع الأولى لجاردنر لكونها الاكثر اهمية وبروزًا .
والذكاء عند جاردنر عبارة عن مجموعة من المهارات تمكن الشخص من حل مشكلاته. وكذلك القدرات التي تمكن الشخص من إنتاج شيءٍ ما له تقديره وقيمته في المجتمع. والقدرة على إضافة معرفة جديدة ، والذكاء ليس بعدًا واحدًا فقط بل عدة أبعاد. ثم إن كل شخص يتميزعن الآخر في بعض الجوانب ويتخلف عنهم في جوانب اخرى .


وقد قدم العديد من العلماء والباحثين تعريفات متعددة للذكاء منها أنه : القدرة على التحليل والتركيب والتمييز والاختيار، وعلى التكيف إزاء المواقف المختلفة ومنها انه القدرة على التكيف السريع مع وضعٍ ما .

وعرفه البعض أيضا بأنه ما لدى المتعلم من قدرات واستعدادات تمكنه من استيعاب المعلومات والمعارف، والتي تدل على ما يستطيع أن يحوزه من معارف اكاديمية .
واهتم العديد من المتخصصين في مجال التربية وعلم النفس إهتمامًا بالغًا بقياس الذكاء، محاولين تأطير هذا المفهوم المجرد بشكل يمكن من خلاله ملاحظته والحكم عليه.

إن أغلب التوجهات التربوية الحديثة تعطي اهتماماً عاماً لتنمية القدرة على التفسير لدى المتعلمين وقدرتهم على تحليل المعلومات واعادة تركيبها للإستفادة منها وتكوين معارف مستحدثة من خلالها . ولا يخفى ما انتشر مؤخرًا من اهتمام حديث بتطوير الذاكرة ومهارات الملاحظة و محاولة تنمية القدرات العقلية .


حدد
جاردنر سبعة أنواع من الذكاءات في بداية الأمر في عام 1983م في كتابه
 "
أطر العقل" Frames of Mind ثم أضاف عليها عاملاً جديداً أسماه بالذكاء الطبيعي حيث أشار العديد من الباحثين في مجال علم النفس المعرفي أن أنواع الذكاء الثمانية كل واحد منها منفصلة عن الأخرى ولها صفات متمايزة، حيث يتميز كل عامل أو نوع معين من الذكاء بنشاط عقلي وقدرة ذهنية معينة تؤدي وظائف محددة هذه الذكاءات كما رأى جاردنر هي :





1-
الذكاء اللغوي Linguistic: 


القدرة على التعبير عن النفس والأفكار والمواقف، والقدرة على ترتيب عرض المعاني والكلمات، وهؤلاء الطلاب الذين يظهرون تفوقاً في فنون اللغة كالاستماع والكلام والقراءة والكتابة، وصياغات العبارات المعبرة عن المواقف المتعددة ، وهم الذين يسيطرون على أذهان مصممي المناهج، وهم الذين يعتبرهم المعلمون متفوقين في النظام التعليمي التقليدي.

2-
الذكاء المنطقي (السببي) الرياضي Logical-mathematical :


القدرة على التعامل مع الرياضيات والمسائل المنطقية المعقدة، وهؤلاء هم الطلاب الذين يظهرون تفوقا في التعامل مع الأرقام وتفسير وتحليل وحل المشكلات،والمرونة في التفكير والتعامل مع المواقف المستحدثة بسرعة بديهة ، وهم مع سابقيهم (أصحاب الذكاء اللغوي) يتمتعون بالإشباع والتعزيز في التعليم التقليدي .

3-
الذكاء البصري المكاني Naturalistic :


القدرة على الاستيعاب عن طريق الصور وتشكيلها، والقدرة على استيعاب العالم المرئي بدقة وإعادة تشكيله بصرياً ومكانياً في الذهن أو على الورق كما نراه لدى التشكيليين والمعماريين والمصممين، ويميل هؤلاء إلى أن يروا ما يحدثهم المعلم عنه ليفهموه، وهم يستمتعون في تعلمهم باللوحات التوضيحية والأشكال البيانية والخرائط والجداول والعروض والصور.

4-
الذكاء البدني الحركي Bodily-kinesthetic :


القدرة على استخدام الجسم استخداما ماهرا للتعبير عن النفس أو تجاه هدف محدد، أو القدرة على تنمية المهارات البدنية الحركية، ويستفيد الأذكياء في هذا النمط من الأنشطة والألعاب الحركية، والمهام اليدوية، والتركيبات الحسية، ويوصفا هؤلاء الطلاب عادة في حجرات الدراسة التقليدية بأنهم غير منضبطين حركيا.

5-
الذكاء الإيقاعي النغمي Musical :


القدرة على فهم وتركيب الأنغام والإيقاعات، وهؤلاء يفهمون أفضل من خلال الغناء والإنشاد والتعبير الموسيقي والآلي، ويشمل هؤلاء الموسيقيين والملحنين والمنشدين.
ويشترك هؤلاء مع المتميزين بالذكاء اللغوي في القدرة على الاقاء التفاعلي بنبرات صوت ملائمة للنصوص التي يعرضونها .

6-
الذكاء التأملي Intrapersonal : 


ويتجلى في فهم الطالب لنفسه ومشاعره وأفكاره وقيمه الذاتية، والأذكياء في هذا النمط يظهرون الميل إلى المحافظة الاجتماعية، إلا أنهم حساسون متنبهون لما يتعلمون، ولعلاقة ذلك بذواتهم. ومن هؤلاء كتاب القصة والرواية، والاستشاريون النفسيون.

7-
الذكاء الاجتماعي 
التواصلي  Interpersonal :

القدرة على إدراك وفهم الآخرين؟ أمزجتهم وأذواقهم ورغباتهم، والقدرة على التواصل وإقامة العلاقات.وهؤلاء يتعلمون بالتعاون في المجموعات آو مع الشركاء،ويتميزون بقدرة أكبر على القيادة من خلال القبول الاجتماعي الذي يحققونه ، وهم الذين اعتاد المعلمون في التدريس التقليدي اتهامهم بالثرثرة وكثرة الكلام.
8-
الذكاء الطبيعي Naturalistic :


القدرة على معرفة وتصنيف النباتات والحيوانات والمعادن، والقدرة على التقاط الفروق الدقيقة بين الأشياء،وهؤلاء يحبون التعلم واكتساب الخبرات خارج قاعات الدرس من خلال الرحلات الاستكشافية والبرية. 

ومن خلال استعراض الذكاءات الثمانية السابقة، تبدو الإجابة أكثر وضوحاً في عملية تصنيف الأشخاص، فهنالك من تظهر الموهبة أو الذكاء لديه في المجال الحركي وآخرون تبدو جلية في الذكاء اللغوي بينما فئات أخرى تتميز في الجانب المنطقي...الخ، وهذا يجعل الحكم بالفشل أو النجاح على فرد أو مجموعة أفراد لعجزه عن تحقيق النتائج المرجوة في جانب معين فيه نوع من التحيز ومحاولة لوضع أفراد متعددين ومتمايزين في قالب واحد الامر الذي يجانب الصواب وينحرف عن الطبيعة .



 الكاتب / عصام الكحلوت

فلسطيني مقيم بليبيا 

باحث في مجال الادارة التربوية 


أترك تعليقا

هناك تعليق واحد:

إعلان فوق التدوينة


إعلانات

إعلان أسف التدوينة


إعلانات

كافة الحقوق محفوظة لــ عالم المعرفة 2017 - 2018 | تصميم : آر كودر