يبدأ تاريخ المسجد بتاريخ بناء الكعبة المشرفة , والتي سُميت أيضاً بالبيت الحرام لأن الله حرم القتال بها , ويعتقد البعض أن الملائكة هم أول من بنى الكعبة قبل نبي الله آدم عليه السلام , ثم أمر الله سبحانه وتعالى النبي إبراهيم برفع قواعد الكعبة، وساعده ابنه إسماعيل في بنائها، ولما اكتمل بناؤهما أمر الله إبراهيم أن يؤذّن في الناس بأن يزوروها ويحجوا إليها، فقد ورد في القرآن الكريم " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " سورة البقرة، الآية 127) , لذا فالكعبة المشرفة هي قبلة المسلمين في صلواتهم، وحولها يطوفون أثناء أداء فريضة الحج، كما أنها أول بيت للعبادة يوضع في الأرض، فقد جاء في القرآن الكريم: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (سورة آل عمران، الآية 96).
وتعتبر مكة المكرمة من أكثر المدن زيارة في العالم بسبب وجود الكعبة المشرفة في أرضها ، اذ تستقبل في موسم الحج أكثر من 1.5 مليون حاج من شتى بقاع الأرض ، إذ يطوف الآلاف من الناس من مختلف الأجناس والشعوب حول الكعبة المشرفة في مركز الحرم المكي طوال الـ 24 ساعة من اليوم , كما يُمنع على غير المسلمين دخولها , ويُعتبر وجود الكعبة المشرفة في مكة ميزة اقتصادية وتجارية كبيرة , فقال تعالى " لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ . إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ" , حيث كانت في الماضي أيضاً مركزاً نشطاً للتجارة بين القبائل .
وإليك بعض الأشياء التي قد لا يعرفها معظم الناس عن الكعبة المشرفة :
1- أُعيد بناء الكعبة عدة مرات
تقع الكعبة وسط المسجد الحرام تقريباً على شكل حجرة كبيرة مرتفعة البناء مربعة الشكل، ويبلغ ارتفاعها 15 متراً، ويبلغ طول ضلعها الذي به بابها 12 متراً، وكذلك يكون الذي يقابله، وأما الضلع الذي به الميزاب والذي يقابله، فطولهما 10 أمتار، ولكنها لم تكن كذلك في عهد نبي الله إسماعيل عليه السلام بل كان ارتفاعها 9 أذرع فقط , ولم يكن لها سقف وباباها ملتصق بالأرض، حتى جاء قوم تبع ( وهو لقب ملوك مملكة حمير ) فصنعوا لها سقفاً, ثم بعد ذلك قام عبد المطلب بن هاشم بصنع باب من الحديد وقام بتزينه بالذهب , وقد كان بذلك أول من حلىّ الكعبة بالذهب
ولكن الكعبة التي نراها اليوم , ليست هي بالضبط نفس الكعبة الي بناها النبي ابراهيم والنبي إسماعيل " عليهما السلام " . ولكن من وقت لآخر تطلب الأمر بناءها عدة مرات , حيث تصدع بناء الكعبة أكثر من مرة بسبب بعض الكوارث الطبيعية كالسيول وغيرها , وكان أفراد القبائل التي سكنت المنطقة بعد نبي الله ابراهيم وابنه اسماعيل " عليها السلام " هم من تولى إعادة بناءها , ومرت عدة سنوات , حتى قامت قريش بإعادة بناء الكعبة قبل بعثة رسول الله " عليه الصلاة والسلام " بخمس سنوات , إلا أن السيول اجتاحت مكة مرة أخرى مما أثر على متانة البناء , فعزمت قريش مرة أخرى على بناء الكعبة ولكن بعد هدمها , فلم يبق منها غير الأساس الذي بناه ابراهيم عليه السلام , وعمدوا إلى بناءها عن طريق تقسيم العمل بين القبائل حيث تولت كل قبيلة جزءاً من الكعبة , وعندما هموا بوضع الحجر الأسود , تقاتلت القبائل على نيل شرف وضعه في الكعبة , لذا حكموا بإن أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام , هو من يضع الحجر , وكان أول من دخل هو رسول الله محمد " عليه الصلاة والسلام " فوضع نبي الله الحجر في وسط البناء .
ومنذ ذلك الحين كانت هناك إعادة بناء واحدة كل بضعة قرون تقريباً , وقد تمت آخر عملية تجديد للبناء عام 1996 , وكانت عملية تجديد شاملة , حيث تم استبدال العديد من الأحجار وإعادة تعزيز الأساس وبناء سقف جديد , ومن المرجح أن إعادة الإعمار تلك ستكون كافية لعدة قرون إن شاء الله , فاستخدام التقنيات الحديثة في البناء جعل المبنى أكثر آمنا واستقراراً من أي وقت مضى .
2- الكعبة كان لها بابان ونافذة
- الكعبة الأصلية كانت تحتوي على باب للدخول وآخر للخروج , ولفترة طويلة من الوقت كان للكعبة الشريفة نافذة تقع على جانب واحد , ولكن حالياً هناك باب واحد للكعبة ولا توجد نافذة .
3- الكعبة كان لها ألوان أخرى
- نحن معتادون على رؤية الكعبة المشرفة بكساءها الأسود المزخرف برباط ذهبي و وربما لا يمكننا تخيلها في لون آخر , ولكن في الحقيقة فإن تقليد كساء الكعبة باللون الأسود بدأ في عهد العباسيين , بينما قبل ذلك كانت الكعبة مغطاة بألوان متعددة منها الأخضر والأحمر وحتى الأبيض .
4- مفاتيح الكعبة المشرفة تقع في أيدي عائلة واحدة فقط
عند فتح مكة , أُعطى النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة المشرفة , ولكن بدلاً من إبقاءها بحوزته , أعادها النبي صلى الله عليه وسلم , إلى " عثمان بن طلحة " وهو من عائلة بني شيبه التي كانت تحرس مفاتيح الكعبة لقرون عدة , وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائلة بني شيبة بحراسة مفاتيح الكعبة حتى نهاية الزمن قائلاً " خُذُوهَا ، يَعْنِي حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ ، يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لا يَنْزَعُهَا مِنْكُمْ إِلا ظَالِمٌ "
لذا فسواء كان خليفة أو سلطان أو ملك , أو أقوى رجل في العالم أراد دخول الكعبة , فعليهم جميعاً الإذعان إلى كلمات النبي صلى الله عليه وسلم , وطلب الإذن من تلك العائلة قبل أن يدخل الكعبة .
5- الكعبة المشرفة كانت مفتوحة للجميع فيما مضى
- فيما مضى , كان يتم فتح الكعبة مرتين في الإسبوع لأي شخص كي يدخل ويصلي , ومع ذلك , وبسبب الزيادة الهائلة في عدد الحجاج , فضلاًعن عوامل أخرى , يتم الآن فتح الكعبة فقط مرتين في السنة لكبار الشخصيات والضيوف المهمين .
شاهد الفيديو المرفق لأبواب الكعبة وهي تُفتح في 50 ثانية , وسط الصيحات المتزامنة لمليون شخص في هذه اللحظة المباركة ..
6- مكان الكعبة المشرفة دائما ما كان عرضة للسيول .
واحدة من المشاكل التي تتزامن مع وجود الكعبة في الجزء السفلي من الوادي , هو أنها عندما تمطر , تميل تلك الأودية إلى تخزين مياه الفيضان , ولكن لم يكن هذا الحدث غير مألوف في مكة , وقد سبب الكثير من المتاعب قبل بناء أنظمة التحكم في الفيضان ومياه الصرف الصحي .
كان هناك أيام في السنة حيث تكون الكعبة نصف مغمورة بمياه الأمطار , ولكن هل منع ذلك المسلمين من أداء الطواف .. بالطبع لا , وسترى ذلك في الصور أدناه بوضوح - فقد بدأ المسلمون بالسباحة حول الكعبة !
ولكن على الرغم من ذلك فإن التعديلات الحديثة في الحرم المكي وتوفر تقنيات الوقاية من الفيضانات قد لا تجعلنا نرى مثل هذه المشاهد مرة أخرى .
7- كيف تبدو الكعبة من الداخل ؟
لسنوات عديدة تسآل الكثير عما يوجد داخل الكعبة , فقط بعض المحظوظين من تمكنوا من ذلك , ونقلوا ما شاهدوه .
الجزء الداخلي من الكعبة يتكون من الرخام , والقماش الأخضر الذي يغطي الجدران العلوية , كما تم تثبيت لويحات للحكام الذين قاموا بتجديد أو إعادة بناء بيت الله الحرام كتخليداً لذكراهم .
شاهد في الفيديو أدناه الكعبة من الداخل - إنه المكان الوحيد على الأرض الذي يمكنك أن تصلي بداخله في أية جهة تريدها ...
8- الحجر الأسود المكسور
الحجر الأسود هو حجر قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أحجار الجنة حيث قال « إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» , وهو نقطة الطواف ونهايته في الحرم .
ولكن قد يتسآل البعض لما الحجر الأسود محاط بشكل دائري من الفضة ؟
الحقيقة أن الحجر الأسود مكون من عدة أجزاء حيث يقول البعض أنه كُسر بحجر أطلقه الجيش الأموي عند حصار مكة عندما تحصن عبد الله بن الزبير داخل الكعبة من جيش يزيد بن معاوية, وتكرر الأمر على يد الحجاج بن يوسف الثقفي , حتى رممه الخليفة العباسي هارون الرشيد بالماس والفضة .
ومع ذلك يتفق معظم الناس على أن الحجر قد تضرر أكثر في حادثة القرامطة المتطرفين الذين أعلنوا أن الحج عادة خرافية , وهذه الحادثة هي أفظع ما مر على الحرم المكي , عندما أغار القرامطة على المسجد الحرم وقتلوا عشرات الآلاف من الحجاج وألقوا أجسادهم في بئر زمزم , وكما لو أن هذه الجريمة العظيمة لم تكن كافية لهم , فقام هؤلاء الشياطين بسرقة الحجر الأسود لمدة 22 سنة وانتقلوا به من شبه الجزيرة العربية إلى الكوفة في العراق حيث احتجزوه وطلبوا فديه من الخليفة العباسي لإرجاعه , وعندما عاد إلى الحرم المكي كان في شكل قطع , وكانت الطريقة الوحيدة لحفظ الحجر من الضياع هو جمع الأحجار معاً عن طريق تغليفها في غلاف فضي كما نراه حالياً .. كما يروي بعض المؤرخين أنه لازال هناك بعض القطع المفقودة من الحجر .
9- لم يكن من المفترض أن تكون الكعبة على شكل مكعب
- نعم - لم يكن من المفترض أن تكون الكعبة مكعبة بل بدا ذلك المكعب الأكثر شهرة على شكل مستطيل , حيث شملت الأبعاد الأصلية للكعبة منطقة شبه دائرية تُعرف باسم " حجر اسماعيل "
فقبل بضع سنوات من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم , أرادت قريش استكمال بناء الكعبة بأموال نقية لا تشوبها أموال مصدرها القمار أو السرقة أو الدعارة , ولكن لم يكن هناك ما يكفي من الماء الغير ملوث في تلك المدينة الثرية لإعادة بناء الكعبة بحجمها الأصلي , لذا فاتفقوا على بناء نسخة مصغرة منها وضعوا جدار من الطوب اللبن ليشير إلى ابعاد الكعبة الأصلية وأطلقوا عليه اسم " حجر إسماعيل " , على الرغم من أنه لا علاقه له بنبي الله إسماعيل عليه السلام .
وقد أراد نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أن يعيد بناء الكعبة على أسسها الأصلية , ولكنه توفى قبل أن يتمكن من تحقيق رغبته .
10- توجد نسختان من الكعبة
- نعم , فهناك مباشرة فوق الكعبة , وفي السماء السابعة , نسخة طبق الأصل من الكعبة المشرفة , وورد ذكرها في القرآن الكريم باسم " البيت المعمور " وذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام في روايته عن رحلة الإسراء والمعراج , حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للتعبد ثم لا يعودون إليه) وهذا يدل على كثرة الملائكة وأنهم ملايين لا تحصى .
للعلم / مقام إبراهيم هو حجر أثري كان يقف عليه سيدنا إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة المشرفة عندما ارتفع بناؤها فكان يقف عليها ليتمكن من البناء, وهو نفس الحجر الذي قام عليه بالأذان و النداء للحج بين الناس , وبقى فيه أثر قدمي إبراهيم عليه السلام واضحتين .
- إن تاريخ الكعبة ليس مجرد قصة مثيرة للإهتمام , ولكن الكعبة المشرفة هي رمز حقيقي يربط جميع المسلمين معاً أينما كانوا , وتذكرنا بتراثنا المشترك , إنها رمز لوحدة الأمة التي نحن في أمس الحاجه إليها الآن .
بقلم / صديق المدونة / أستاذ فهد صالح - بالتعاون مع مدونة عالم المعرفة
المصادر : كتاب حقائق الكعبة المشرفة المنشور من قبل وزارة الحج و العمرة في المملكة العربية السعودية
ويكيبديا العربية
أترك تعليقا
ليست هناك تعليقات