نحن البشر لدينا علاقة مثيرة وفضولية مع أدب الرعب , فغالباً ما تزخر ثقافات الشعوب المتنوعة بالأساطير والحكايات عن أبطال نبلاء يقاتلون الوحوش الشيطانية لإنقاذ العالم , أو عن منازل شهدت جرائم قتل فتحول قاطنيها إلى أشباح بعد موتهم , أو عن بلدة ملعونة تسكنها الأشباح .. والأقاصيص التي لا تموت أبداً عن الغيلان,والجان,والأقزام, ومصاصي الدماء والمذئوبيين ..
اصبح أدب الرعب من أهم انواع الأدب السائدة القابلة للتسويق منذ بداية ظهور روايات الرعب القوطية مثل فرانشكتاين و جيكيل وهايد ودراكيولا.
كان أول فيلم رعب في التاريخ هو الفيلم الفرنسي " لو مانوار دو دابل " (القلعة المسكونة) Le Manoir du Diable والذي صنعه جورج ميلييس في العام 1896 , ومنذ ذلك الحين أصبح تخويف الناس شكلاً فنياً بحد ذاته وصناعة مربحة للغاية , والتي جعلت ستيفن كينج مليونيراً - وهو ليس الوحيد ! .
إذا عزيزي القاريء - بصفتك جزءاً من الجماهير التي تحب فن الرعب , هل تعطيك مشاهدة هذه الأفلام المخيفة أية فائدة حقيقية ؟!
في الواقع يجد العلم أن مشاهدة أفلام الرعب شيء جيد حقاً ويعود بالنفع عليك , فمثلما يتذكر جسمك العدوى البكتيرية ويكتسب المناعة ضدها , فمخك أيضاً يحصل على تلك المناعة كلما شاهدت الأشياء المخيفة مراراً وتكراراً .
ولكن لتوضيح هذا الكلام ربما علينا أن نفهم كيفية استجابة الدماغ للرعب ...
- إن أفضل افلام الرعب هي تلك التي تستهدف عدم الأمان النفسي والسلوكيات العميقة المخيفة للمجتمع والأفراد , فوقتها يشعر الدماغ بالتهديد , حيث يخبرك دماغك " أن هذا يمكن أن يحدث في الحياة الواقعية , لذلك من الأفضل ان تكون خائفاً لأن هذا الأمر المخيف يمكنه أن يلاحقك في حياتك الحقيقية " .
وعلى العكس من ذلك , إذا كنت تشاهد أفلام رعب تتعلق بأشياء غير واقعية تماماً , فلن يتصور عقلك وقتها أن هناك أي تهديد .
اللوزة الدماغية - هي واحد من المناطق في الدماغ , والتي تشارك في معالجة هذه التهديدات التي تخلّفها أفلام الرعب .
اللوزة الدماغية هي عبارة عن مجموعة من الخلايا العصبية متجمعة معاً في شكل لوزة في المخ , وتتعامل تلك الخلايا مع المخاوف الأولية لدى البشر , ولكنها لا تعمل بمفردها حيث تشارك تلك اللوزة معلوماتها بشكل مكثف مع منطقتين آخريتين , هما : منطقة تحت المهاد , ومنطقة قرن آمون أو الحُصين .
منطقة تحت المهاد هي منطقة مسؤولة عن جعلنا نستجيب لهذه المخاوف بالطريقة التي تريدها أدمغتنا من خلال الصراخ مثلاً او محاولة الهرب من المكان .
بينما تعمل اللوزة الدماغية على تنشيط الجهاز العصبي الودي من خلال منطقة تحت المهاد (HPA axis) , والتي تقوم بتحفيز الغدة الكظرية بعد ذلك لإفراز هرمون الأدرينالين الشهير , وهذا الهرمون بمجرد سريانه في مجرى الدم , سيشعر جسمك بالخوف , والذي يتمثل في زيادة في معدل ضربات القلب , التعرق , جفاف الفم , التنفس بشكل أعمق , وزيادة تدفق الدم إلى عضلات الهيكل العظمي , فتجد نفسك تقفز أو تصرخ أو تصبح أكثر مرونة عند مشاهدتك لفيلم رعب , حيث يخبرك عقلك في كل تلك العملية أن عليك الهروب من هذا الموقف .. وبسرعة !
وبينما تقوم اللوزة الدماغية ومنطقة تحت المهاد بإثارة فزعك , تقوم منطقة أخرى من الدماغ بدور الرجل الرزين !
فمنطقة الحصين , تقوم بإخبار عقلك أنك على علم بأنك تشاهد فيلماً فقط , وأن أياً من هذا لن يضر بك فعلياً في الحياة الحقيقية .
هل مشاهدة افلام الرعب تكسبك مناعة ضد الأشياء المخيفة حقاً ؟
لازال الباحثين غير متأكدين تماماً من ذلك الأمر , فهناك القليل من الأدلة التي تثبت أن مشاهدة أفلام الرعب تجعلك أفضل استعداداً للتعامل مع المواقف المخيفة الواقعية , ومع ذلك , فإن حالة اليقظة المفرطة التي يواجهها المرء بعد مشاهدة فيلم رعب , يمكن أن تكون مفيدة من حيث الابتعاد عن مواقف مخيفة مماثلة , ولكن للأسف قد تم إجراء القليل من الأبحاث في هذا الشأن فلا يمكننا تأكيد أو نفي هذا الادعاء .
ولكن من ناحية أخرى - هناك بعض الأدلة على أن مشاهدة أفلام الرعب يمكن أن يساعدك على التغلب على مخاوفك .
فهناك نوعاً من العلاجات النفسية القائمة على علاج بعض أنواع الرهاب أو الفوبيا عن طريق التعرض مراراً وتكراراً لهذا الرهاب , وهذا يمكن أن ينطبق أيضاً على افلام الرعب , فالخوف من أشياء معينة في أفلام الرعب يمكن ان يتم علاجها عند التعرض المتكرر لها , حيث يخبرك جسمك بأن هذا الشيء الذي يخيفك لن يسبب لك أي ضرر لأنك تشاهده مراراً ولا يحدث شيئاً .
كما أن هناك قدر كبير من الأبحاث تشير إلى أن مشاهدة فيلم مخيف يمكن أن تكون مفيدة للدماغ عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الضغوطات الأخرى.
فقد أفاد بعض الناس أن مشاهدة أفلام الرعب يسمح لهم بالتعامل مع القلق ، لأن ذلك يحفز إفراز الأدرينالين ، الذي يخفف من أعراض القلق.
ختاماً ..
كل شخص لديه استجابة مختلفة عند مشاهدة أفلام الرعب , البعض يحصل على التشويق , في حين أن الأمر لا يكون أقل من التعذيب والإرهاب للبعض الآخر , وكل هذا يتوقف على الاختلافات الفردية في أدمعتنا وقدرتها على معالجة الخوف .
وعلى الرغم من أن الوحوش التي نشاهدها في الأفلام غير موجودة بالفعل , إلا أننا سنواجه نفس الاستجابة الفسيولوجية التي نشعر بها من أفلام الرعب عند مواجهتنا لبعض المواقف المخيفة في حياتنا الواقعية, فمثلاً إذا ما واجهت البشرية هجوماً من قِبل مخلوقات الزومبي , فإن عشاق الرعب سيعرفون بالضبط ما يجب القيام به في تلك الحالة !
لذا عزيزي القاريء - إن كنت من عشاق أفلام الرعب , فهل تجدها حقاً سبيلاً للتخلص من مخاوفك , أم تلك المشاهد المرعبة تنجح فقط في جعل جسدك ينتفض من الخوف ؟!
المصدر / scienceabc
سبق لي وأن ذكرت في موضوع 9 حقائق عن الدماغ تعليقا مماثلا لهذا الموضوع لعلمي ودراستي عنه لكن ما أود قوله في تعليقي هذا أن أسباب جهاد الدماغ هو الكذب مما يسبب خللا بالخلايا الدماغية إذ تتصل الأجهزة أو الأنظمة العصبية بأجهزة المناعة في الجسم، لذلك فهي تشعرنا بأن مخنا ومشاعرنا التي يمكن أن ترسل رسائل وإشارات تؤثر على صحتنا،فعندما تدور بداخلنا أفكار سعيدة ينتج الجسم هرمون (الإندروفين) وهو المسؤول عن منحنا الشعور الجيد، وتساهم أيضا هذه المكونات الكيميائية في جعل جهاز المناعة أكثر صحة وقوة، وبالعكس عندما نتعرض للقلق والتوتر ونعاني من حالة من الضغط العصبي والنفسي تنتج أجسامنا أنواعا مختلفة من الهرمونات مثل هرمون (الكورتيزون) و(بافراز) وقد اتفق خلال هذا العصر كل من الأطباء والممارسين على أن الشخص الذي يكذب يواجه باستمرار حالات من القلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية والجسدية.
ردحذف